تُوفي الرئيس.. فهل سيتعظ الرئيس؟

خميس, 05/11/2017 - 11:43
محمد الأمين ولد الفاضل

هناك محطات ومواقف ومحن من الصعب أن تمر بأي إنسان دون أن تترك أثرا، إيجابيا كان أو سلبيا، هذه المحطات والمواقف والمحن قد تجعل الإنسان يعيد النظر في مسار حياته ـ كل مسار حياته ـ  فيحاسب النفس، ويُقوم المسار، ويصحح الأخطاء، ويكون بذلك قد استفاد بشكل إيجابي من المصائب والمحن، ولكن هناك طائفة أخرى من الناس، وهي تمثل الأغلبية للأسف، تتعامل مع المصائب والمحن بشكل سلبي،

 فالمنتمي لهذه الطائفة من الناس يزداد قسوة وغرورا ورغبة في الانتقام كلما أصابته مصيبة أو محنة.
إني أتمنى من كل قلبي أن يكون الرئيس محمد ولد عبد العزيز من الطائفة الأولى، وإني أتمنى أن يتعامل مع فاجعة رحيل الرئيس الأسبق أعلي ولد محمد فال رحمه الله تعاملا إيجابيا، وأن يستفيد بالتالي من هذه المحنة في تصحيح الأخطاء، وفي تقويم المسار، وفي إعادة توجيه البوصلة فيما يعود عليه بالنفع، أي الرئيس محمد ولد عبد العزيز، وعلى موريتانيا بكاملها، وعلى شعبها الصابر الذي يعيش حياة صعبة وقاسية ما كان له أن يعيشها لولا فساد الأنظمة المتعاقبة على الحكم.
بإمكان الرئيس محمد ولد عبد العزيز أن يستغل فاجعة رحيل الرئيس الأسبق أعلى ولد محمد فال استغلالا إيجابيا، وأن يحول هذه المصيبة العظيمة إلى فرصة حقيقية لتصحيح المسار، وفي المقابل فإن بإمكانه أيضا أن يتعامل مع هذه المصيبة بشكل سلبي، فيعتبر بأن رحيل الرئيس أعلي سيشكل خسارة كبيرة للمعارضة الموريتانية، وتلك حقيقة لا يمكن إنكارها، وبأن عليه ـ أي الرئيس ولد عبد العزيز ـ  أن "يستغل" هذه الخسارة في تمرير تعديلاته الدستورية العبثية، وفي مواصلة مساره الأحادي الذي لا شك بأنه سيوصل البلاد إلى محطة بالغة الخطورة.
المقلق في الأمر هو أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز كان قد تعامل مع محنتين سابقتين بطريقة سلبية، الشيء الذي يجعل من احتمال تعامله بشكل سلبي مع المحنة الحالية احتمالا قويا.
لقد مر الرئيس محمد ولد عبد العزيز منذ وصوله إلى السلطة بمحنتين قاسيتين، ولكنه تعامل معهما بشكل سلبي، وإن ذلك مما يؤسف له، وإن ذلك مما يجعلنا لا نجزم بأنه سيتعامل بشكل إيجابي مع المحنة الحالية، وذلك على الرغم مما أظهر من تعامل إيجابي في اللحظات الأولى من المحنة، وخاصة عند نقل وتشييع ودفن جثمان الرئيس الراحل.
تمثلت المحنة الأولى في إصابة الرئيس محمد ولد عبد العزيز برصاصات ذات مساء سبت صادف يوم الثالث عشر من أكتوبر من العام 2012. في ذلك المساء أصيب الرئيس في حادثة أليمة تعددت الروايات حولها، ونقل الرئيس على إثرها إلى فرنسا للعلاج، نقل وهو بين الحياة والموت، ليعود من بعد أربعين يوما وقد شفي ولله الحمد.  تم استقبال الرئيس من طرف حشود غفيرة، ولم ينشغل الناس بأسباب الحادثة، وإنما اكتفوا بإظهار الفرح بعودة الرئيس وهو يمشي على قدميه، وفي صحة جيدة إذا ما قورنت بما كان يشاع حينها عن وضعيته الصحية.
ذلك الاستقبال العفوي الصادق بعد تلك الحادثة الأليمة التي كادت أن تودي بحياة الرئيس جعلني أتوقع أن يغير الرئيس من نظرته للحياة، وأن يتذكر بأنه مجرد إنسان ضعيف يمكنه أن يترك الحياة لا الرئاسة فقط في أي لحظة. لقد توقعت أن يفتح الرئيس صفحة جديدة مع الشعب الموريتاني ومع خصومه السياسيين، ولكن شيئا من ذلك لم يحصل، فلا تعامل الرئيس مع الشعب تغير من بعد الاستقبال الحاشد والعفوي والصادق في المطار، ولا تعامله مع معارضيه تغير، فهم ليسوا في النهاية إلا مجرد مجموعة من العجزة.
لم يتعظ الرئيس من محنة رصاصات أطويلة، ولم يأخذ العبر من تلك المحنة، وسيتكرر نفس الشيء مع المحنة الثانية، والتي لم تكن أقل قسوة من الأولى.
في يوم الثلاثاء الموافق 22 ديسمبر 2015 غادر دنيانا الفانية الشاب الخلوق أحمدو ولد عبد العزيز رحمه الله، وذلك بعد تعرضه لحادث سير أليم. شكل الخبر صدمة كبيرة لكل الموريتانيين، وبالتأكيد فقد كانت الصدمة أشد وقعا على الرئيس. كان من المتوقع أن يزهد الرئيس قليلا في السلطة بعد تلك الفاجعة الأليمة، وأن يعلم بأنه يمكن لكل واحد منا أن يخطط لأمور كثيرة، ويمكن للأمور أن تظل تسير في الاتجاه الذي كنا نخطط له، ويمكن للأقدار أن توهمنا بأن الأمور تسير فعلا  في اتجاه ما خططنا له، وذلك من قبل أن تأتي لحظة فاصلة تنسف كل ما خططنا له، وتقلب الأمور رأسا على عقب.
رحل أحمدو ولد عبد العزيز بشكل مفاجئ بسبب حادث سير أليم، فسارع الشعب الموريتاني إلى مواساة الرئيس وإلى تقديم التعازي في هذا المصاب الجلل ، وقف الشعب الموريتاني  بنخبه وعامته، بمعارضيه ومواليه، برجاله ونسائه، بشيوخه وشبابه مع الرئيس في محنته. إن ذلك الموقف الأصيل الذي وقفه الشعب الموريتاني مع الرئيس في محنته، كان يستوجب من الرئيس أن يزهد قليلا في الحياة، وأن يفتح صفحة جديدة مع شعبه الذي لم يقصر في المواساة ولا في تقديم التعازي.
المؤسف أنه لا شيء تغير في نظرة الرئيس محمد ولد عبد العزيز إلى الحياة، ولا شيء تبدل في أسلوب إدارته لشؤون البلاد بعد هذه المحن والمصائب العظيمة.
لم يُلاحظ أي تغير إيجابي يذكر في سلوك الرئيس محمد ولد عبد العزيز من قبل الإصابة برصاصات أطويلة ومن بعد الإصابة بها، ولم يلاحظ أي تغير يذكر في سلوك الرئيس محمد ولد عبد العزيز من قبل رحيل الابن أحمدو ومن بعد رحيله. فهل سيتكرر الأمر أيضا من بعد رحيل الرئيس الأسبق أعلي ولد محمد فال؟ وهل سيبقى الرئيس محمد ولد عبد العزيز  ينظر إلى الحياة بنفس المنظار، ويدير شؤون البلاد بنفس الأسلوب المعهود ، وكأنه لا شيء قد حدث في بوادي تيرس في ظهر يوم الجمعة الموافق 5 مايو 2017؟
لقد رحل الرئيس أعلي الذي حكم البلاد خلال فترة انتقالية شهدت الإجماع الأوسع والانتخابات الأكثر شفافية، رحل ولم يصاحبه شيئا من جاه السلطة ولا من حطام الدنيا، رحل كما رحل رؤساء من قبله، وكما سيرحل رؤساء من بعده.
رحل الرئيس أعلي ولم يصاحبه إلا عمله، رحل ويشهد له الجميع بأنه سلم السلطة طواعية لخلفه في مشهد قل نظيره في المنطقة، رحل وهو الذي كان يتفادى دائما أن يسبب ضررا لأي مواطن، رحل وهو الذي كان يستقبل الجميع بشيء كثير من التقدير والاحترام.
رحل الرئيس أعلي عن دنيانا الفانية، دون أن يصاحبه شيء من جاه السلطة أو من حطام الدنيا، وأتمنى أن يأخذ الرئيس محمد ولد عبد العزيز العبرة من ذلك، فيعلم بأنه سيرحل هو أيضا من هذه الدنيا، وبأنه سيخرج من السلطة لا محالة، وبأن الخروج من السلطة قد لا يكون آمنا في كل الأحوال، ولذلك فمن مصلحته أن يمهد لخروج آمن من السلطة، وأن يفتح صفحة جديدة مع شعبه ومعارضيه تمهد لذلك الخروج الآمن في منتصف العام 2019، وإن فتح تلك الصفحة ليبدأ أولا بوقف المسار الأحادي، وبالعدول نهائيا عن الانقلاب على الدستور عن طريق الاستفتاء الشعبي.
ذلك هو ما أتمنى، وذلك هو ما يتمناه كل من يتمنى الخير للرئيس محمد ولد عبد العزيز، فهل سيحقق لنا الرئيس هذه الأمنية أم أن فاجعة رحيل الرئيس الأسبق أعلي ستزيد الرئيس محمد ولد عبد العزيز غرورا، وستزيده تعلقا بالدنيا وتمسكا بالسلطة؟ لا أتمنى للرئيس محمد ولد عبد العزيز ذلك.

حفظ الله موريتانيا..