قراءات: "الأرض السائبة" و"نقد رواية الشعر"

جمعة, 03/17/2017 - 10:26

نظم بيت الشعر في نواكشوط، مساء أمس الخميس، قراءات نقدية تطرقت لموضوعين هامين، يتعلق الأول بالصورة الشعرية في ديوان "الأرض السائبة".. أنماطها ووظائفها، فيما يتعلق الثاني بنقد رواية الشعر في كتاب: عقل الشوارد في شرح ما جاء في طرة ابن بونَ من الأبيات الشواهد. 
  
افتتحت الأمسية النقدية بكلمة للشاعر محمد المحبوبي، الذي أضاء الموضوعين من جوانب مهمة، وأبان ما يميزهما من جدة وأهمية بين مدونات الشعر والنقد الموريتاني. 
  
بعد ذلك بدأت الجلسة الأولى مع الدكتور محمد المهدي محمد محمود الداهي، وهو صاحب مسار دراسي حافل بين نواكشوط وتونس والرباط، وعمل مدرسا وملحقا بديوان وزير التعليم، ثم مفتشا للتعليم، ومن أعماله العلمية: بحث لدارة الملك عبد العزيز "الحج والحاج في موريتانيا"، وتحقيق ودراسة "رحلة المنى والمنة" لأحمد المصطفى بن طوير الجنة. 
  
الدكتور محمد المهدي محمد محمود قدم بشكل مستفيض عرضا نقديا عن "الصورة الشعرية في ديوان الشاعر الراحل محمد ولد عبدي "الأرض السائبة: أنماطها ووظائفها"، وهو من أبرز دواوين الشعر الحداثي في موريتانيا بدأ المحاضر بتقديم تعريف للشعر "الشعر قول لغوي يمتاز عن بقية الأقاويل اللغوية الأخرى بجملة من الخصائص والمميزات تعرف بأنها هي ما به يكون الشعر شعرا"، مضيفا: "هذه الخصائص وتلك المميزات قد باتت موضوعا وحقلا لاختصاص علمي منذ أن كتب فيه الفيلسوف اليوناني أرسطو طاليس كتابه "فن الشعرية" وأبرز الإشكالات التي بقيت تقض مضاجع الدراسات الشعرية والأسلوبيين، تلك المنبثقة عن العلاقة بين الخطاب الشعري والمحيط الذي يحيل المتكلم عليه المستمع، والذي ينبغي أن يستويا في معرفته، وتزداد هذه الإشكالات تعقيدا حين يتعلق الأمر بالشعر العربي المعاصر لما يواجهه منذ نشأته من إشكالات بنيوية ووجودية لا تشكل العلاقة بين الخطاب الشعري ومحيطه إلا أحد مظاهرها، فإلى جانبها هنالك من الإشكالات ما هو ألصق بشرح وتحليل النصوص، من قبيل تحديد دلالة الوحدات، وطبيعة الصور ووظائفها، وقد انتبه إلى هذه الإشكالات أكثر علماء الشعرية، فقد ألح جاكبسون على ضرورة معاملة القصيدة باعتبارها كلا لا يتجزأ من أجل أن يتمكن المحلل من تجاوز إشكالية علاقة الكلمات بالأشياء والوقائع"  وبعد استعراض نقدي لإشكالات المدارس النقدية، وتقديم فني للديوان، يقول المحاضر إن "ديوان "الأرض السائبة" هو عبارة عن أربع عتبات، ومقدمة، وثلاثة وعشرين نصا شعريا هي المتن. وتشكل العتبات الأربع والمقدمة مدخلا ملائما يتيح للمقاربة قسطا من الألفة مع النصوص المشكلة للمتن"  ويقول المحاضر إن قراءة القصيدة الفاتحة للديوان "تبرز للوهلة الأولى استحالة رسم حدود فاصلة بين أنماط الصور الشعرية من جهة، وصعوبة إدراك كنه توظيفها من جهة ثانية، غير أن ضرورات التحليل البحث وإكراهات المقاربة تحتم البحث عن هذه الحدود ومحالة إدراك كنه التوظيف وإن بقدر غير قليل من الاعتباط وربما التعسف وهو ما مكننا - يقول المحاضر - من تصنيف الصورة الشعرية في ديوان "الأرض السائبة" إلى ثلاثة أنماط، هي 1 – "الصورة-اللوحة ". 2 – "الصورة-المشهد". 3 – "الصورة-البركان" ثم يستعرض المحاضر صورا شعرية من الديوان، واضعا عليها مشرط التحليل النقدي، وبما يحيل ويرسخ الاعتقاد بأن الصورة الشعرية في ديوان "الأرض السائبة" هي صورة متكاملة فنيا، ومشبعة بتراثها البيئي والثقافي. 
  
أما الجلسة الثانية فتناولت: (نقد رواية الشعر في كتاب: عقل الشوارد في شرح ما جاء في طرة ابن بونَ من الأبيات الشواهد)، وحاضر فيها الأستاذ الباحث أحمد ولد أبي بكر ولد سيديا وهو أستاذ لغة عربية ومفتش تعليم وأكاديمي، وقد أكد في بداية عرضه أن "غاية شروح شواهد النحو الشعرية غاية لغوية نحوية وصرفية ولم تكن غاية نقدية فنّية، لكن الطبيعة الأدبية لهذه الشواهد تفرض في كثير من الأحيان على من يتناولها بالشرح أن يتطرق إلى قضايا متعددة، قد تبدو صلتها بالاستشهاد النحوي عند الوهلة الأولى ضعيفة كزمن إنتاج البيت الشاهد أو صاحبه الذي أنتجه أو صحة روايته...، وبعد إمعان النظر يمكن فهم الأسباب التي أدت بأصحاب تلك الشروح إلى الاستطراد النقدي والتاريخي والبلاغي أثناء شرحهم لبعض الشواهد". وأضاف: "قسم المؤلفون في هذا المجال وغيرهم من مدوني اللغة العربية عموما الشعر العربي إلى قسمين: 
  
-     قسم يمكن الاستشهاد به للاستدلال على إثبات القواعد اللغوية وغيرها وهو كل ما ثبت تقدمه على منتصف القرن الثاني الهجري، وأنتجه شعراء القبائل التي لم تكن على احتكاك دائم بغير العرب ممن يمكن أن يؤثر على سليقتهم بالمخالطة. 
  
-     قسم على العكس من ذلك لا يمكن الاستشهاد به وهو كل ما تأخر عن التاريخ المذكور آنفا لكن يمكن التمثيل به عند ندرة الشواهد لتوضيح القواعد اللغوية للمتعلم. 
  
وأضاف "لم يكن السابقون الأولون من أصحاب شروح الشواهد مثل أبي جعفر النحاس (ت338هـ) وأبي سعيد السيرافي (ت368هـ) يتجاوزون توضيح محل الاستشهاد والقاعدة المبنية عليه مع معاني بعض الكلمات كما في شرحيهما لأبيات كتاب سيبويه". غير أن تطور الثقافة العربية نحو النضج والاكتمال في القرون اللاحقة، يضيف ولد سيديا، أدى إلى اتجاه شروح الشواهد نحو الاستقصاء والموسوعية، سواء تعلق الأمر بالمادة النحوية التي هي لب الموضوع أو بما يكتنفها من اختلاف في الرواية أو في توجيه المعاني، مما يفرض على من يتصدى لشرح الشواهد أن يتسلح بمعارف كثيرة ومتنوعة كالتاريخ والمنطق والبلاغة... واسترسل في إثراء الموضوع مؤكدا أن الأعلم الشنتمري (ت476هـ) من أوائل الذين آثروا الاتجاه نحو التوسع في شرح الشواهد، فقد شرح كتاب سيبويه في كتابه النكت كما شرح أبياته في كتابه تحصيل عين الذهب من معدن جوهر الأدب في علم مجازات العرب، ومن السهل ملاحظة البعد الأدبي النقدي في صياغة عنوان الكتاب الأخير".  واستعرض المحاضر معلومات ثرية عن أصحاب شواهد ومؤلفات في علم النحو، وشروح على ألفية ابن مالك. خلال الفترة (672 هـ إلى 769 هـ). ثم استعرض التآليف النحوية ابتداء من القرن الحادي عشر الهجري (عبد القادر بن عمر البغدادي (ت1093هـ) وصولا إلى العلامة محمد بن أحمد بن الغزالي الشقراوي المتوفى سنة 1362هـ، مؤلف كتاب "عقل الشوارد في شرح ما جاء في طرة ابن بونَ من الأبيات الشواهد". وقال المحاضر إن تنوع الشروح والمؤلفات النحوية عند الشناقطة دفع المؤلف يحس بندرة التأليف في مجال الشواهد الشعرية لدى الشناقطة، فانبرى يحاول سد النقص الحاصل فيه. بعد ذلك استفاض المحاضر في تتقديم نماذج من هذا الكتاب موضوع الورقة مميزا بين ثلاثة أنماط مجملة ومتداخلة من النقد الأدبي في الكتاب، هي: النقد اللغوي (المعجمي والصرفي والنحوي والبلاغي)، والنقد الانطباعي والديني، ونقد رواية الشعر 
وفي الختام، أشفعت الموضوعات النقدية التي أثارها المحاضران بمداخلات من الحضور وأساتذة الجامعة تناولت ديوان ابن عبدي ومؤلف ولد أحمد الغزالي من جوانب مختلفة أثرت الأمسية، عقب عليها المحاضران وأجابا على مختلف الأسئلة والإشكالات التي أثيرت.​