" بين حتف و رجس "

ثلاثاء, 01/31/2017 - 19:29
د.  محمد اسحاق الكنتي

في فاتح يناير عام 1965 اجتمع في الكويت مناضلون فلسطينيون، وأسسوا "حركة التحرير الوطني الفلسطينية". وحين أرادوا اختصارها أصبحت "حتف" فتطيروا بالكلمة، فعكسوها لتصبح "فتح"... بعد ذلك التاريخ باثنتين وخمسين سنة، أعلن مثقف موريتاني، على صفحته، تأسيس "رباط الجهاد السلمي"، واختصاره "رجس". وهو ما يعني أن المثقف سيلجأ إلى منهج الفراهيدي في كتاب العين، مستثمرا إمكانيات ر.ج. س. في تشكيل كلمات مختلفة يختار إحداها اختصارا لاسم جماعته. اقترح بعض القراء عليه "جرس"، ومال آخرون إلى "سرج"، وبقيت احتمالات "جسر"، و"سجر"، و"رسج". يستبعد الفراهيدي في معجمه الكلمة الأخيرة لأنها مما لم يؤثر في لغة العرب، إلا أن هذا الحرج مرفوع عن المثقف الذي يتخذ من رباط تيدره مرجعية له... فقد تكون "رسج" مما نطق به أهل ذاك الرباط...
على أن في كل هذا استباق لنوايا المثقف، الذي لم يهتم بيانه باختصار اسم جماعته، وإنما مال إلى اختصار الجماعة، إن وجدت، في شخصه. وهذا يذكرنا بأساليب الجماعات المتطرفة التي تكتفي ببيانات على شبكات التواصل، وتعلن عن زعمائها فقط، بينما تبقى قيادة التنظيم في الخفاء. فنحن لا نعرف من قيادة بوكوحرام سوى رئيسها بوبكر شيكاو، وهي مثل جماعة "الرباط" تدعو إلى الجهاد... ومثل الجماعات المتطرفة تحاول جماعة "رباط الجهاد السلمي" أن تنتسب لمرجعية دينية تاريخية، فبدأت بيانها التأسيسي بقولها.."وفاء لروح رباط بن ياسين..." وهي بذلك ثاني جماعة تستثمر الرباط في مشروعها السياسي. فقد استثمرته قبلها جماعة الإخوان المسلمين حين أعلنت "الرباط الوطني لمقاومة التطبيع"، لكنها هجرت الرباط إلى التطبيع حين انضمت إلى حكومة مطبعة.
يتحدث البيان عن "مناهضة الانقلابات العسكرية وجميع أنواع الفساد والاستبداد، ورفض تدخل الجيش في السياسة..." لا بد أن القارئ الكريم سيتعجب حين يقرأ اسم المتحدث باسم الجماعة المجهولة؛ مدير الوكالة الرسمية للأنباء، ومستشار العقيد معاوية ولد سيد أحمد الطايع. شارك ولد الطايع في أول انقلاب عسكري، ولم يكن بعيدا عن بقية الانقلابات إلى أن نصبه جانو لاكاز حاكما عسكريا، ثم جرده ميتران من بزته العسكرية، وسمح له بتزوير أول انتخابات تعددية عرفتها موريتانيا. وكان ضباط الجيش في حكمه العسكري وزراء، وبعد تزوير الانتخابات قدم للمقربين منهم إقطاعيات يعرفها الموريتانيون، كل ذلك والمثقف المناهض للانقلابات، بعد تجريمها، الرافض لتدخل الجيش في السياسة حين أصبح الجيش مهنيا، معاون مقرب من العقيد الرئيس. أما دعواه مناهضة الفساد والاستبداد فهي دعوى عريضة سيسخر منها الموريتانيون لأن مدعيها كان جزء من نظام يجمع الموريتانيون على فساده واستبداده... ولعل ملفات الوكالة الموريتانية للأنباء تلقي الضوء على تسييرها...
يعود المثقف إلى قاعة الدرس ليحدثنا عن "مسلمات" منها أن "الانتماء إلى الوطن فوق الانتماءات القبلية والعرقية والطائفية والحزبية..." كيف يتحدث عن الانتماء إلى هويات عامة من يخاف كشف هويته الخاصة! لقد اختبأتم خلف شخص فانتميتم إليه، فكيف نصدق رفضكم الانتماءات القبلية والعرقية... من يلوذ بجذع، يحلم بالغابة...
ويدعي "قوم موسى" أنهم يعلنون "أمام الشعب الموريتاني..." لكي تدعي الإعلان أمام الشعب الموريتاني ينبغي أن تمتلك الشجاعة للإعلان عن نفسك. أما وأنت عاجز عن ذلك؛ خوفا، أو طمعا، أو هما معا، فالأولى بك إلقاء مناشير تحت جنح الظلام، كما كان يفعل البعض، وإن اختلفت المقاصد، في ظل حكم العقيد ولد الطايع...
وحين يتعلق الأمر بأهداف "رجس"، يضعون في المقدمة "قلب النظام العسكري عن طريق انقلاب مدني..." فشلت الثورة، فحي على الانقلاب... ليس غريبا أن يدعو أحد المثقفين إلى الانقلابات، بل وتأسيس حركات متطرفة تستخدم العنف سبيلا للوصول إلى السلطة. فقد أسس أستاذ الفلسفة آبيمايل غوزمان حركة "الدرب المضيء في البيرو عام 1964، وهي حركة شيوعية عنيفة. وفي إيطاليا أنشأ الناشر، ومالك 15 مكتبة كبيرة، جيانجاكومو مونترينللي، مجموعة مسلحة في إيطاليا سنة 1970، وعنها انبثقت الألوية الحمراء. وكان سارتر متعاطفا مع جماعة بادر- ماينهوف، فزار زعيمها في السجن. ظلت تلك الحركات العنيفة تتشكل من حلقة ضيقة حول الزعيم حتى إذا وقع انهار بيت العنكبوت...
وقياسا عليه فإن "قوم موسى" قد لا يكونون سوى شخوص في رواياته، اجتمع بهم في "البرزخ" أو "مدينة الرياح" ليتدارسوا "الحب المستحيل".."لما قضوا من هبل كل حاجة ومسح بالأركان من هو ماسح، أخذوا بأطراف الأحاديث بينهم وسالت بأعناق المطي الأباطح." فكان إعلان "رجس" إفاضة من "حج الفجار"...