حين يُخطط الرئيس للفشل!

ثلاثاء, 01/17/2017 - 22:41
محمد الأمين ولد الفاضل

بدءا لابد من الاعتراف بأن الرئيس محمد ولد عبد العزيز قد حقق لنفسه ولموالاته الداعمة نجاحات متتالية في مأموريته الأولى، ولقد بدأت تلك النجاحات تتحقق من خلال إطلاق مجموعة من المشاريع الهامة التي كان يسعى قائد الانقلاب من ورائها إلى اكتساب شرعية من خلال الانجاز( قطع العلاقات 

مع العدو الصهيوني؛ تخطيط العشوائيات؛ تخفيض أسعار المحروقات؛ دكاكين أمل ...). هذا فضلا عن استحواذه على خطاب المعارضة، وإطلاقه لشعارات جذابة (الحرب على الفساد؛ الاهتمام بالفقراء؛ التغيير البناء؛ موريتانيا الجديدة..). وبالإضافة إلى ذلك فقد استطاع الرئيس ولد عبد العزيز وخلال فترة وجيزة أن يجر المعارضة ـ وبكل أطيافها ـ  إلى التوقيع على اتفاق داكار، وإلى المشاركة في الانتخابات الرئاسية التي منحته ما يزيد على 52% في شوطها الأول.
لقد تمكن الرئيس ولد عبد العزيز من تشريع انقلابه في وقت قياسي، ومن اكتساب علاقات جيدة مع الدول المؤثرة في المنطقة (فرنسا مثلا)، ومن جمع أغلبية الشعب الموريتاني حول مشروعه الذي كان يرتكز على ثلاث ركائز: الاستحواذ على خطاب المعارضة؛ رفع شعارات جذابة؛ إطلاق مشاريع طموحة سيتعثر أغلبها فيما بعد.
إن هذا الرئيس الذي استطاع أن يحقق تلك النجاحات المتتالية في مأموريته الأولى، هو نفسه الرئيس الذي سيتخبط في مأموريته الثانية في الفشل، وسيظهر وكأنه يخطط للفشل.
مظاهر الفشل
في المأمورية الثانية لم يستطع الرئيس ولد عبد العزيز أن يأتي بشعارات جديدة، وربما كانت هناك محاولة لإطلاق شعار جديد يمجد المقاومة ويعيد كتابة التاريخ، ولكن ذلك الشعار توفي في وقت مبكر. حدث ذلك بعد أن انتهى العمر الافتراضي لكل شعارات المأمورية الأولى، وهي الشعارات التي اتضح بأنها كانت مجرد شعارات خادعة.
وفي المأمورية الثانية بدأت أغلبية الرئيس التي التفت حوله في المأمورية الأولى تتفكك، فغادر هذه الأغلبية ـ بطريقة علنية في بعض الأحيان وسرية وصامتة في أحايين كثيرة أخرى ـ أهم من فيها من سياسيين نشطين، ومن رجال أعمال مؤثرين، ومن كتاب  ومدونين ونشطاء شباب فاعلين، ولم يبق في هذه الأغلبية إلا بقايا من بقايا الداعمين الذين لا أثر لهم ولا تأثير. وفي المأمورية الثانية ساءت علاقات نظام ولد عبد العزيز مع دول الجوار ومع الدول المؤثرة، وخاصة فرنسا، وعلى الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي فقد ساءت أيضا الأمور، وزاد تفكك المجتمع ، وغابت المشاريع الكبرى، وجفت الموارد بعد أن انتعشت كثيرا في المأمورية الأولى، وأصبح جل الموارد يأتي من خلال فرض المزيد من الضرائب.
وعلى المستوى السياسي فقد كان الفشل أشد وأوضح، وظل الرئيس ينتقل من محطة فشل إلى محطة أخرى، وكأنه كان يخطط لذلك الفشل، ولتوضيح ذلك فلا بأس من التوقف مع بعض محطات هذا الفشل السياسي.
(1)
على الرغم من أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز قد استطاع بعد انقلابه المتعجرف على الرئيس المنتخب أن يجر المعارضة كل المعارضة إلى انتخابات رئاسية فاز في شوطها الأول، إلا أنه وعلى الرغم من ذلك، فقد  فشل في نهاية مأموريته الأولى من جر هذه المعارضة للانتخابات الرئاسية الماضية، والتي قاطعتها المعارضة بشكل واسع، الشيء الذي دفع به إلى أن يطلب من مستشاري حزبه الحاكم بأن يوقعوا على ترشح رئيس حركة إيرا ، ومن المجلس الدستوري بأن يزكي ذلك الترشح، ومن رجال الأعمال المقربين أن يوفروا الدعم المالي لحملة ذلك المرشح، وهو المرشح الذي كان وإلى وقت قريب يصنف عند الرئيس وموالاته بأنه "مجرم"، وبأن الشريعة ستطبق في حقه. لقد شكلت مقاطعة المعارضة بكل أطيافها للانتخابات الرئاسية الماضية محطة فشل سياسي للرئيس ولنظامه، ولقد زاد من ذلك الفشل أن نظام الرئيس عزيز قد اضطر إلى تزكية من كان يوصف عنده بالمجرم، والسماح لذلك "المجرم" بالترشح لأعلى منصب في البلاد، وكان لذلك كلفته السياسية الباهظة على نظام ولد عبد العزيز.
(2)
بعد اكتمال انتخابات 2013 التشريعية والبلدية، وبعد اكتمال الانتخابات الرئاسية 2014 وتأدية القسم سنجد بأن الرئيس سيسارع إلى المطالبة بإطلاق حوار جديد يمهد لانتخابات تشريعية وبلدية مبكرة، وربما رئاسية، وهذه الدعوة المبكرة للحوار يمكن تفسيرها  سياسيا بأن النظام نفسه لم يقتنع بشرعية الهيئات والمجالس المنبثقة عن انتخابات 2013 . صحيح بأن النظام ظل يدعي بأن دعوته للحوار وإلى الانتخابات المبكرة كانت من أجل تطوير النسخة الموريتانية من الديمقراطية، ولكن ولأننا نعرف بأن النظام لم يكن حريصا في أي وقت من الأوقات على تطوير الديمقراطية، فإن تلك الحجة لم تكن مقنعة، وبالتالي فإن تلك الدعوة التي كان من المفترض أن تمهد لحل مجالس وهيئات لم تكمل فطامها، لا يمكن أن نفسرها إلا في ظل وجود أزمة سياسية تتخبط فيها البلاد. إن دعوة النظام في وقت مبكر من مأموريته الثانية إلى حوار جديد قد جعلت الأزمة السياسية تنتقل من أزمة صامتة إلى أزمة ناطقة.
(3)
لم يتمكن الرئيس ولد عبد العزيز ومن  بعد أن دعا في بداية مأموريته الثانية إلى حوار جديد مع المعارضة من جر هذه  المعارضة إلى طاولة الحوار وهو ما جعله يلجأ في مرتين إلى تنظيم حوارات غير مقنعة مع جزء قليل من المعارضة: حوار سبتمبر 2015؛ حوار سبتمبر 2016.
(4)
على الرغم من مقاطعة أهم الأحزاب المعارضة لتلك الحوارات، إلا أن الرئيس عجز أيضا عن تمرير ما كان يخطط له، فحتى في هذه الحوارات الجزئية، والتي لم تحضرها إلا المعارضة الناعمة، فإن النظام عجز عن تمرير ما كان يسعى إلى تمريره. لقد استطاعت المعارضة الناعمة أن تمنع الرئيس من تشريع مأمورية ثالثة من خلال حوار سبتمبر 2016.
(5)
بعد فشل الرئيس ونظامه في تمرير مأمورية ثالثة من خلال الحوار، تم الاكتفاء من بعد ذلك الفشل بالدعوة إلى تغيير العلم والنشيد الوطنيين مع إلغاء مجلس الشيوخ، على أن يتم ذلك من خلال استفتاء شعبي.
(6)
حتى هذه النتائج الهزيلة المنبثقة عن حوار جزئي لم يتم حتى الآن تنفيذها، فظهر بأن النظام عاجز حتى عن تنفيذ هذه النتائج الهزيلة من خلال استفتاء شعبي، ولذلك فقد بدأ يفكر في تنظيم مؤتمر برلماني لتمرير تلك التعديلات. يمكن أن نتذكر هنا بأن الرئيس ولد عبد العزيز كان قد تعهد بتنظيم استفتاء شعبي مباشر في خطابه في النعمة، وأكد ذلك في خطابه الذي اختتم به حوار 2016، وأعاد تأكيده خلال لقائه بالأطر في تجكجة. كما أنه علينا أن نتذكر أيضا بأن الرئيس كان قد تعهد في خطابه في النعمة بتنظيم حوار بعد ثلاثة أو أربعة أسابيع وهو الشيء الذي لم يحصل. لقد كرر الرئيس إطلاق عهود لم يستطع تنفيذها، فلماذا تم إطلاق تلك العهود ما دام تنفيذها غير ممكن ؟ إنه التخطيط للفشل.
(7)
لقد ظهر من خلال الاجتماع الأخير الذي نظمته لجنة متابعة الحوار في قصر المؤتمرات بأن النظام يجد صعوبة كبيرة في إقناع المعارضة المشاركة في الحوار بإبدال الاستفتاء الشعبي المباشر بمؤتمر برلماني، وحتى ولو افترضنا جدلا بأن النظام قد تمكن من إقناع المعارضة المشاركة في الحوار بضرورة التخلي عن الاستفتاء المباشر وإبداله بمؤتمر برلماني، حتى ولو افترضنا ذلك، فسنجد بأن النظام سيواجه مشاكل عديدة إذا ما حاول  تمرير التعديلات الدستورية من خلال مؤتمر برلماني، وقد لا تكون النتائج مضمونة. وحتى لو افترضنا بأن نتائج الاستفتاء البرلماني كانت لصالح التعديلات الدستورية فإن ذلك لن يعطي لتلك التعديلات الشرعية المطلوبة، ولن يعطيها المصداقية اللازمة، وذلك لأنها تعديلات جاءت من بعد التسلسل التالي:
1 ـ هذه التعديلات كانت نتيجة من نتائج حوار غاب عنه جل الطيف المعارض.
2 ـ هذه التعديلات ستكون نتيجة للتحايل على نتائج الحوار الجزئي الذي كان من المفترض أن يعقبه استفتاء شعبي مباشر لا مؤتمر برلماني.
3 ـ هذه التعديلات ستعرض على مجلس شيوخ مشكوك في شرعيته، وكان من المفترض أن يتم تجديده منذ سنوات، وستعرض كذلك على جمعية وطنية انبثقت عن انتخابات قاطعتها أحزاب معارضة وازنة.
هذه النقاط الثلاث تكفي للتشكيك في نتائج أي استفتاء قادم يتم من خلال مؤتمر برلماني، هذا إذا افترضنا أن النواب والشيوخ سيصوتون لصالح ذلك الاستفتاء.
إن من الأخطاء الفادحة أن يتم تغيير العلم الوطني في استفتاء كهذا، وإن حصل مثل ذلك، فسيكون الرئيس قد جر نظامه إلى محطة جديدة من محطات الفشل، وهي محطة لن تقل خطورة عن محطات الفشل السابقة.
ولكن لماذا يحدث كل هذا الفشل في المأمورية الثانية؟
إن هناك أسبابا عديدة لذلك، ولكننا في هذا المقام سنتوقف مع سبب واحد فقط من تلك الأسباب. يقولون في التخطيط الاستراتيجي بأنه إذا لم تكن لديك خطة واضحة، فأنت تخطط للفشل، ومن أجل أن تكون لديك خطة واضحة، فعليك أن تعرف أولا ماذا تريد أي ما هي أهدافك؟
للأسف يبدو أن الرئيس ولد عبد العزيز لم يحسم أمره حتى الآن، ولم يحدد ماذا يريد، وهو لا يعرف إن كان يريد البقاء في السلطة بعد العام 2019، أو أنه يريد مغادرتها. إن ذلك التردد الذي يعيشه الرئيس هو الذي أدى إلى كل هذا الارتباك الحاصل في المشهد السياسي.

حفظ الله موريتانيا..