حين ضيّعني أبي

اثنين, 01/02/2017 - 11:56
عثمان جدو

ولدت في العاصمة الاقتصادية؛ تلك المدينة الشاطئية وبها ترعرعت؛ درست في إحدى مدارسها العتيقة ثم انتقلت إلى أبرز مدارسها الثانوية لأواصل بها دراستي وطلبي للعلم؛ فالعلم نور وطالبه مُكرم إذ تضع له الملائكة أجنحتها رضا بما يصنع وتكريما له من الكريم ولأن العلم يُزين صاحبه بالخُلق الرفيع والتهذيب اللازم تلازم مع العلم الوقار ومع انتفائه العار والشنار؛

 

لي رفيقات هن أقرب من كل الأخوات؛ أبوح لهن بكامل أسراري -رغم قلتها- ولي منهم المِثل، تختلف نظرتنا في كثير من الأمور ونتلاقى في بعضها، سواء كانت طبيعة تلك الأمور عميقة وجوهرية أم شكلية سطحية.

 

لم يكن طريقنا إلى كسب العلوم ناصع البياض ولا منزوع الأشواك، كنا إذا اجتمعنا أمام القسم ننتظر حضور المدرس تارة يطول الانتظار بعدم حضوره ونجدها فرصة لتجميع الاحداث التي عشناها فرادى؛ وتارة يقصر الانتظار بحضور المدرس في الوقت وندخل الفصول لنبدأ رحلة جديدة من رحلات التزود بالعلم والنهل من معينه المفيد.

 

وبعد خروجنا عند انتهاء كل يوم دراسي؛ قليلات منا هن من يجدن من ينتظرهنّ من وكلائهنّ  لِيقلّهنّ في سيارته إلى المنزل، وكثيرات منا متنقلات عبر وسائل النقل العمومية التي يطول انتظارها زوالا؛ لتتجدد الفرصة لإكمال بقية الحديث ولحدوث أشياء أخرى!؛

 

إن مما يؤسف عليه أننا في حال عدم مجيء الأستاذ لا يكون أمامنا إلا التجمهر خارج الثانوية تحت ظلال الحيطان المجاورة؛ نتبادل المعلومات والأفكار، وأي أفكار!؟، وليت لنا عقول تُميز بعمق، وليتنا لنا أهل يغلبون مصلحتنا على مشاعرهم الحنونة تجاهنا!!؛

 

إن كثيرا من تلك المعلومات التي نتبادل والأفكار التي نتشارك؛ غالبا ما تكون أكبر من سننا وتشكل خطرا كبيرا على أخلاقنا ومسارنا التعليمي؛ وطبعا تدفع بنا إلى الانحراف في سلوكنا والانجراف نحو ما فيه ضرر علينا وغايته النهائية استغلالنا حينما غفل عنا الأهل وأهملنا المربون!؟

 

مما لا شك فيه أن أحاديثنا هذه لا تنطوي على غير المجون وتغذية روافد الانحلال والشذوذ الذي يسميه البعض غراما؛ أبطاله الظاهرون مراهقون يدرسون معنا نتبادل معهم التحية ليس كما هي بالتلويح باليد مع صفاء النية، وإنما بجعل الراحة في الراحة واحتكاك الأجساد وإذابة الأنفاس في الأنفاس!؟ .. سيكون الأمر قليل الخطورة لو بقي في حدود عمرنا- لعب عيال وطيش مراهقين- لكن الذي يخفى على آبائنا وعليهم به العتب في ضياعنا؛ هو أن رجالا في أعمارهم هم من يركلون سياراتهم بجانبنا؛ يتصيدون الفرص للإيقاع بنا في شباك قذاراتهم وتلطيخنا بوحل نزواتهم؛ وتتسع لهم السانحة كل ماطال الانتظار تحت الجدران أو تم التموقع في المقاهي القريبة ونقاط بيع الحلويات؛التي تتيح كلها التلاقي بالمكث فيها وتدعمه بتنشيط الشبكة الخلوية مجانا؛ إغواء وإغراء وإيقاعا، لا حبا ولا كرامة!!؛

 

إن هؤلاء الفاشلين أخلاقيا المتربصين بمن هم في أعمار بناتهم لا يجدون عناء كبيرا في إقناع والإيقاع بالفتيات الصغيرات لأن تحصينهم أصلا غير كافٍ ولأن النفس البشرية ميّالة إلى دواعي الإغراء؛ ومهما بلغ الجدار من الصلابة فإنه يتداعى مع تواصل وتتابع الضربات؛

 

ثم إن الشقق المفروشة التي تنتشر بكثافة غير طبيعية في هذه المدينة-دون رقيب- تعد الحاضنة السيئة لكل تلك الأعمال المشينة التي عادت ما يتوج بها كل ما سبق ذكره.. 

 

إن كل من يتغافل عن هذه الحقائق واهم وتائه ومضيع لشرفه ومستهتر ببراءة بناته وأخواته ومضيع لكل من تشاركهم صفة الأنوثة والبراءة والضياع.