منبر الجمعة

أحد, 11/27/2016 - 12:33
عثمان جدو

جلس على المنبر يوم الجمعة قبل مجيئ الإمام؛ بدأ في التذكير والوعظ والتبيين والحث على الجهاد واستحضاره دوما وألح على تطبيق الشريعة، أجاد الاستاذ وأفاد في مجمل كلامه؛

 

لم يكن للحديث موضوع موحد بل تشعبت العناوين وتعددت النقاط ولأن جماعة المسجد المذكور تعتمد في دروسها هذه على منبر الجمعة أسلوب التحاور؛ بعد انتهاء العرض من خلال طرح الأسئلة والتحاور؛ حينها وجد الأستاذ نفسه أمام بعض الأسئلة غير المتوقعة والتي حملت أبعادا لا يمكن تطويقها في دقائق قبل اعتلاء الإمام للمنبر؛

 

إن من أهم النقاط التي أثيرت في هذا النقاش والتي تحتاج محاضرات وندوات كي يحصل التبيان ويزول اللبس وتطمئن النفس، قضية المسيئ وحكم المدافع عنه، والعبودية وضوابطها الشرعية، والجهاد وسبل تطبيق الشريعة الإسلامية..

 

 

-حول المسيء الملعون؛

 

عندما طرح أحد المتسائلين مسألة الدفاع عن المسيء على الجناب النبوي؛ عليه لعائن الله تترى، وهل حكم المدافع عنه كحكمه، ولِمَ لَمْ يكن حجم التفاعل في هذه المدينة الشاطئية يوازي حجم التنديد والتفاعل في أغلب المدن الوطنية؟!؛ كان الجواب من الأستاذ أن المسيء والمدافع عنه في الجرم سواء؛ لأن الدفاع ينم عن الرضا وعدم الاستنكار، وهذا صحيح لكني هنا أضيف أن المسيئين فينا بدأوا يتنامون ويبدوا أننا نساهم كثيرا في صناعتهم دون أن ندري، فعدم إدراكنا أو عدم وقوفنا على كل الأماكن التي يدخلها أبناؤنا المراهقين؛ والتي فيها بطبيعة الحال مواطن السوء ومواقعه التي تغذيها الرفقة السيئة؛ بالإضافة إلى هجران التعاليم الإسلامية التي تحث أولا قبل كل شيء على تربية الأبناء على منهج الإسلام الذي يقدس رموزه ويحترم مجاميع مقدساته ويعتز بها ويزين بها كل هامات أبنائه، وطبعا كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه...) الحديث

 

لا خلاف أن المطالبة بإعدام المسيء؛ مطلب لكل موريتاني سوي العقيدة؛ وهنا أضيف المطالبة بإعدام كل المسيئين الآخرين وعلى رأسهم ذلك المسيء الذي يوجد بأمريكا ومنها أصدر إساءته التي تعدت الجناب النبوي إلى الذات العلية، يجب لزوما أن يحكم على هذا المسيء الذي هو شيطان المسيئين الأول غيابيا بحكم نافذ عندما تصل إليه أيدينا أو توصله رجله إلينا؛ نفس الحال ينطبق على من يسئون وهم بين ظهرانينا من خلال حساباتهم التي تحمل أسماء مستعارة، وهنا يجب أن تشكل لجنة خبراء-تحت أي ظرف-(دون العلن) من أجل متابعة هؤلاء وكشف حقائقهم وإنزال أقسى العقوبات بهم.

 

  -عن العبودية وضوابطها الشرعية؛

 

ضرب الأستاذ الذي تشرف بإلقاء الدرس على أهمية أفراد المسلمين جميعا بحادثة الأمة *بريرة* التي تسببت في اعتماد سُنّتين نبويتين للتعامل بين المسلمين في حياتهم اليومية؛ وعلى ذكر كلمة الأَمة حاول صاجبنا أن يستفيض في الموضوع بقوله إن هذه الكلمة عادية؛ تقال في أي وقت، وأن في الإسلام وجدت العبودية، وهذا صحيح وتُدعِّمُه شواهد التاريخ لكنه ربط ذلك بالضوابط الشرعيه التي تساءل عنها أحدهم مرارا وتكرارا مما أظهر انطواء السؤال على حرقة دفينة، لم يوفق الأستاذ بتطويق السؤال بالجواب الشافي المُثلج للصدور ليس لانعدامه؛ وإنما يظهر أن الاستاذ لم يكن على بال من سؤال كهذا بمستوى عال من الإلحاح، حينها تدخل العبد الفقير إلى رحمة ربه قائلا: إن العبودية وجدت قبل الإسلام متجذرة في النفوس و لا ينبغي أن يقال أنها وجدت في بداية الإسلام كما انطلق منه المحاضر لأن المُتلقِين متفاوتون في الفهم وعدم الإيضاح تترتب عليه تبعات لها عواقب ومآلات، ثم إن الإسلام لما وجد مظاهر العبودية أمامه لم يباركها ولم يزكيها بل حاربها أيما محاربة وضيَّق عليها الخناق من كل النواحي وحرّم كل الأنماط التي كانت معتمدة، كبيع الأبناء الذي كان منتهجا عند الأحباش وكان من مصادرهم الاقتصادية الهامة ولقد بين -صلى الله عليه وسلم أن الوالد لا يجوز له بيع ولده تحت -أي ظرف- بل تجب عليه نفقته حتى يبلغ الولد وحتى يُدخل بالبنت؛

بالإضافة إلى ذلك كان لسطو العرب بعضهم على بعض أثر كبير في تفشي ظاهرة العبودية حيث كان أسرى الحروب مآلهم الاستعباد أو القتل وحدث من ذلك مثال مع *زيد ابن حارثة* حِبُّ رسول الله-صلى الله عليه وسلم- الذي كان قومه عربا أقحاحا أشرافا، وحدث مثال من ذلك مع *سلمان الفارسي* -رضي الله عنه- الذي كان أبوه *دهقانا* وهو الذي استولت عليه رفقة إئتمنها على نفسه في طريقه إلى *المدينة المنورة*  بحثا عن حقيقة مبعث سيد الأنام -عليه أفضل الصلاة والسلام- 

 

كل تلك المظاهر حرمها شرع الله وبين ذلك رسوله -صلى الله عليه وسلم- ولم يبق معتمدا منها في الإسلام إلا ما نتج عن *الحرب العدالة* وهي *الحرب المقدسة* التي يلتقي فيها جيش المشركين بجيش الموحدين؛ هدف الأول معروف أن يعبد غير الله في الأرض وهدف الثاني ألا يعبد غير الله، يخرج من ذلك كل أنواع الحروب الأخرى سواء كانت بين الدول لبسط السيطرة والنفوذ والتوسع أو كانت بين الجماعات؛ قبلية كانت-كما كان يحدث في أرضنا- من تحالفات دفعت بها *الغزيان* وصراعاتها أو حب *السعاية* أو اتفاقات *لعتيلة* وبالتالي على الذي مازالت تنتابه نوبات حرقة بتذكر الماضي أن ينشرح صدرا؛ لأن هذه المظاهر لم تعد مقبولة في أي تجمع مدني أحرى دولة ذات سيادة ونظم جامعة؛فكل عقل بشري استوت بشريته يمُجُّ تقبل هذه الظاهرة وإن مجازا، كما أن على الذين يعشعش في أذهانهم الحنين إلى ذلك الماضي المظلم ويمنون النفس ويُسلونها في أحاديثهم الذاتيه؛ أن كل الظلاميات البشرية مبررة شرعا ومقبولة عقلا أن يفهموا أن ذاكرة بهذا المحتوى هي ذاكرة متآكلة تتعفن بمنطق السقوط الحر، وعلى الجميع أن يدرك تمام الإدراك أن الظالم والمظلوم صار جمعهم إلى ملك الملوك الذي لا يظلم عنده أحد وهو ديّان الدنيا والآخرة وأعد للجميع موعدا سيسألنّ فيه ويحاسبون على كل ما يقولون ويفعلون.

 

-بخصوص الجهاد وتطبيق الشريعة الإسلامية

 

كان المحاضر مهتما بطرح موضوع تطبيق الشريعة الإسلامية والجهاد وهو طبعا مشكور وبإذن الله مأجور؛ لكن الذي غاب عنه وعن المُتلقين عنه؛ ويغيب عن السواد الأعظم منا أن أمة لا تنتج الحليب الذي ترضع لأطفالها وتعجز إلى الآن عن إنتاج النسيج الذي تلبسه في أعيادها وتعتمد في نقل بضائعها على مركبات أنتجها عدوها وتفتخر بالذود عن كرامتها بأبسط سلاح أنتجه غير المتفوقين من أعدائها؛ بل يتعدى الأمر ذلك ليصل إلى الأواني وكل ما يستخدم في البيت، إن أمة بهذا الضعف وعدم الهمة الإنتاجية تريد ما تريد على ألسنة هؤلاء مدفوعين بالحماس دون الواقعية لهي أمة متناقضة تغمض عينيها عن الواقع وتسرح في أحلام اليقظة!!

 

فإلى متى نتوقف عن الزحام السياسي والرجعية القبلية وننطلق في دورة اقتصادية تغنينا عن عدونا وتبعدنا عن تحكمه في سبل أرزاقنا؟.