هل من الخير.. جمعُ ما تفرق في الغير؟

اثنين, 02/15/2016 - 01:42
الولي ولد سيدي هيبه

يكاد يجمع المراقبون والأكاديميون والباحثون والمتخصصون في مختلف حقول المعرفة العلمية و بالذات منها العلوم الإنسانية، على أن المجتمع المدني بات أحد الركائز الأساسية في بناء الدولة الحديثة، و أن الأمر في ذلك لم يعد يقتصر على مجتمعات دون أخرى في دول الشمال و الجنوب رغم الاختلافات الجوهرية البارزة والسياقات التاريخية و السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي نشأ فيها المجتمع المدني.

و لقد تعزز في الدول الحديثة ذات التجربة الديمقراطية المكينة دور هذا المجتمع المدني حيث انصهرت كل مكوناته داخل إطار بالغ الحضور  حتى باتت تشكل الدولة الحديثة على النحو الذي أصبحت معه و بحيوية بالغة تساهم في المجهودات الجبارة التي تدفع عملية التنمية الشاملة باضطراد إلى الأمام.

ولعل من الأسباب الطبيعية، التي بوأت المجتمع المدني هذه المكانة المحورية ما كان من تراجع الدولة و الأحزاب القائمة و المشاركة في تخطيطها و تدبيرها للشأن العام و كذا فشلها في بعض التجارب الرامية إلى النهوض بأعبائها الكاملة، و على وجه الخصوص منها ما يتعلق بالقضايا الأساسية ذات الطابع  الاجتماعي  الملح.

و لقد ودعت موريتانيا قبل شهر و نصف عامها الذي مضى و لم يصنع خلاله مجتمعها المدني و حتى يومه الأخير أي حدث له شأن، أو حقق أي إنجاز لافت، أو تألق في أي حضور داخلي أو خارجي، أو تقدم بأية مبادرة لافتة يحفظها سجله في عالم أصبح كل هذا نتف يسير من عطاء المجتمع المدني فيه. و هو بهذا الغياب العملي إنما خيب أمل الشعب الذي عاب عليه أنه:

·        لم يسهم في رفع الوعي و الحضور و الالتزام في أوصاله،

·        و لم يسترع الانتباه بحيوية و ديناميكية تقدم خدمات تدعم المسار التنموي،

·        و لم يؤثر بأي شكل كان في السياسات العامة،

·        و لم يثر الاهتمام بفعل اقتصادي مؤثر تتجسد فيه حيوية و عبقرية  و وطنية رجال الاقتصاد و المال و الأعمال، علما بأن جائرة حراكه تشمل أيضا حرية تأسيس شركات ومؤسسات أهلية للتجارة أو الإنتاج الصناعي لأنه بتزايد الشركات المساهمة التي ينشئونها تزداد فرص العمل، ويقل العبء على الدولة و يتوفر العمل لكل مواطن، ويتاح للحكومة أن تهتم بالتعليم بشتى مراحله والتأهيل الجيد للشباب ليقوم بعد ذلك بالمشاركة الفعالة في الإنتاج،

·        و لم يفرض تقديره و لا احترام البلد بأي عطاء يستدره من النخب الفكرية و العلمية و الأدبية و الفنية حتى تصنع للبلد علامة بارزة يشار بها إليها و تحضر بها على خشبة و تحت أضواء مسارح العالم الثقافية اللامعة و النابضة بالعطاء و الإثراء،

·         و لم يستجلب أو يحصل على أية مزايا مادية من الاستثمارات المتحركة بحيوية و إرادة المجتمعات المدنية و التي تطوف العالم و تمخر عبابه في كل الاتجاهات من الصين إلى المغرب إلى السنغال،

·         لم يشارك في التكفير عن سيئات الماضي  القريب المرتبك بفعل الانقلابات و الاضطرابات الاحتجاجية، أو يزيل وصما بعار أو اتهاما بجرم حقوقي غائر كالاسترقاق و الإرث الإنساني، أو سافر كغياب المساواة و اتساع الفجوة بين القلة المتخمة من نهب خيرات البلد على خلفية التموقع القبلي و المحاصصة بمنطق الشرائحية و الاثنية، و بين الأغلبية المحرومة والتي يطحنها الفقر و تمرغها في وحل التهميش بلا رحمة أفعال الغبن و الإقصاء منذ الاستقلال.

حقيقة مرة كلفح صقيع الزمهرير أو كي رياح السموم جعلت العام المنصرم يضحك على الأذقان و لا يخشى الموت في العام الجديد. فلا المجتمع المدني  أقام حجة على العمل السياسي الحزبي  بكل تشكلاته و توجهاته و ميدانيته، و لا الأحزاب السياسية غيرت في الوضع القائم و المتسم من فتور همة بعمق الهوة بين أقطابه الثلاثة بكل أحزاب "الأغلبية" و أحزاب المعارضة المجتمعة في "المنتدى" و أحزاب "المعاهدة" التي حاورت ذات مرة و تناور ثانية في حلقة جديدة من "حوار" لا تتفق كل هذه الأطراف على اشتراطاته و ملامح طاولته و أهدافه.

وضعية لا اسم أيضا لها تخيم بظلالها الداكنة على مشهد أضعف حلقاته "المواطنون" الذين لا محل لهم من الإعراب في جملة الأقطاب و لكنهم بالمقابل الذين يتحملون وزر ضعف أدائها و خور عزائمها أمام ضرورات البناء الصارخة.   

إنها تناقضات تفرقت في بلدان العالم حتى تضاءلت ثم تلاشت و لكنها اجتمعت في هذا البلد الذي قدر لأهله أن يتعايشوا معها و يجتروها و كأنها خيار أو نمط سلوكي محبب و قد ألغوا أي سعي إلى تغييرها و استهجنوا أي تفكير في الاستفادة من ذلك العمل إلى أفق التحول المنشود و الالتحاق بالركب الأممي.