الخطر الذي أزيح عن التعليم

أربعاء, 02/10/2016 - 18:16
عثمان جدو

تميزت فترة "الوزير السابق" على رأس "وزارة التهذيب" بأنها الفترة الأسوأ بكل المقاييس ، حيث عرف "الرجل" بالتكبر والاستعلاء والعنصرية وضيق الرؤية ، فخلال فترته على رأس الوزارة ؛عمل على محاربة اللغة العربية والهوية الحضارية للبلاد وتعميق الخلافات الشرائحية .

لقد بدأ الوزير السابق بطرد كل من يرفع صوته من أجل إنصاف *اللغة العربية* وإعطاءه حقها الذي كفل لها *الدستور*؛ فأبعد على إثر ذلك مستشارين واستغنى عن مكلفين بمهام ..!

إن مما كان يروى باتفاق أن حلم كثير من الموظفين -داخل الوزارة- لا يمكن أن يوصلهم إلى مكتب الوزير المذكور الذي تكبر وتجبر واستعلى ، أما أن يرتادوه أو يعتادوه جهرة ويقظة ؛فذاك تاج المستحيلات .

لقد عمل هذا "الوزير" في السنوات الأخيرة على استجلاب المدرسين المفرنسين من قوميته من ولايات الداخل وزرعهم في الوزارة ، وأعلنها قبل فعلته بصراحة صارخة ؛ عندما تحدث بجرأة كبيرة لبعض الموظفين حين أغاظوه ؛وقال لهم بالحرف الواحد :(إنه لن يغادر الوزارة قبل التمكين لمجموعته القومية ..! ، والقصة معروفة ومشهودة ، وجسد ذلك على أرض الواقع ، فصارت مذكرات التحويل التي تجرى سنويا -قبل اقتتاح السنة الدراسية مباشرة- تنحصر على هؤلاء ويظهر ذلك جليا من خلال الإسم العائلي للمشمولين في تلك المذكرات..!

بل تعدى "الوزير المطرود"  -دون أسف- ذلك حين أحكم قبضته الأسرية على أهم المراكز في الوزارة ؛ فعهد بإدارة *المصادر البشرية* إلى مقرب منه أسريا ( با ....) ، وأعطاه صلاحيات تفوق صلاحياته ، وأذاب جهد وقيمة المستشارين في واحدة لنفس العوامل "الأسرية" ومعروفة تلك المستشارة أيضا للجميع وهي (با ......) ؛ التي أصبحت بفعل ذلك هي روح الوزارة معنى ومبنى ..! ؛ تتحكم في كل شيء ؛يرجع إليها كل شيء في الوزارة بتفويض من شيخها "الوزير" (با .....) ، ومن أمثلة فسادها امتصاص المبالغ المالية الكبيرة في الزيارات الشكلية الكرنفالية، فمثلا خلال زيارتها التي أجرتها مطلع العام الدراسي والتي استهدفت ثلاث ولايات لأقل من ثلاثة أسابيع رصدت لها حسب معلومات من داخل الوزارة 9.800.000 تسعة ملايين وثمان مائة ألف أوقية ؛لها ولمرافقيها ..! ، هذا قليل وهو الظاهر والخفي أعظم .

لم يكتف "الوزير" بذلك بل تعداه إلى حقل {السمسرة} الذي يؤرق الوزارة منذ زمن بعيد ويستعصي استئصال نشطائه لتغلغلهم المحكم والمحمي داخل الوزارة .. لكن صاحبنا قضى على هؤلاء السماسرة مؤقتا ؛ حينما جعلهم في سبات ؛ بفعل نشاط وفاعلية سمساره الخاص وهو المقرب منه اجماعيا واسمه غير بعيد من اسمه ( با ..) وهو عجوز يدمن الجلوس قرب المسجد الموجود داخل الوزارة ؛ تارة يمينا عنه وتارة شمالا بشكل يومي ، وكان نشاطه الكبير في مجالين هما تحويل المدرسين عن طريق ظاهرة (Envoyer) التي باتت معروفة بهذا المصطلح ، والمجال الثاني هو اختيار المدرسين في القنصليات المحولين للخارج ، أصحاب الحالة الأولى يدفعون 300.000 ثلاث مائة ألف أوقية غالبا ، وأصحاب الحالة الثانية ؛ تتم العملية معهم بقيمة مالية أقلها -1.500.000- وتصل أحيان إلى -1.800.000- أوقية ؛ في الظروف العادية ..

لقد سعى "الوزير السابق" إلى التمكين لمقربيه على أساس القرابة فقط ؛ وكان كلما تضايق من أصحاب المآخذ على هذا المشهد ؛ رد عليهم بعبارة قديمة الاستخدام ،خبيثة التوظيف ، رديئة الاستشهاد ، هي -بالعامية- المسمى كذا (...) "ألحكهم يحظروا" "هذي ألا كرعتهم" ..!

صحيح أن البنى التربوية والعمرانية شهدت تطورا في الفترة الأخيرة ؛ لكن ذلك كان بجهد حكومي عام ؛ وبتوجه سيادي شامل ، وتم في ما بعد الحديث عن *قناة تعليمية* ينتظرها الوسط التربوي بفارغ الصبر ؛ لما لها من أهمية وتدعيم للجهود الميدانية ..

وطبعا تعددت مدارس الامتياز وجمعت بعض المدارس وإن كان ذلك مشوبا بخرقات كبيرة ؛ منها على سبيل المثال : اعتماد التجميع في أماكن لا تتمتع بمقومات ذلك ولا توجد بها دوافع حقيقية مقنعة للقيام بذلك .

فمثلا تم تجميع قرى "بورات" -مثالا لا حصرا-وتبعا لذلك جمعت مدارس وهذا حسن وإيجابي ؛ لما له من توفير لمجهودات الدولة ولما له من تحسن في طبيعة التدريس ؛ التي تكثر إيجابيتها وتتحقق أهدافها أكثر بالتجميع عكس التفرق المضعف والانتشار الفوضوي المبعثر المكلف والمبدد للجهد؛ سواء بالنسبة للمدرسين أو بالنسبة للمعدات واللوازم ..

لكن باب التجميع هذا فتح دون ضبط واستغل لأغراض أخرى ، سياسية انتفاعية أو فئوية عنصرية ؛ فمثلا ما هو المبرر في بناء مدرسة عملاقة بطابقين في قرية *سابورة* التابعة لبلدية لحرج -مقاطعة ولد ينج- المعزولة جغرافيا ، والتي لا يمكن أن يجمع من رجالها ونسائها وأبنائهم 200 شخص ؛ لكن حل اللغز هو أنهم يجتمعون مع "الوزير المطرود" عند أحد الآباء..! ، وغير بعيد عنها في البلدية المجاورة *التكتاكة* تم افتتاح إعدادية من طرف "الوزير" بالإضافة إلى أخريات في باقي بلديات هذه المقاطعة التي اخترنا منها هذه الأمثلة نظرا للعلاقات التي تربط الوزير بها ؛ المهم أن هذه الإعدادية يدرس بها مدرسين فقط..! ، والسؤال هنا يطرح نفسه على المنجمين .. ماذا سيدرس هذان الأستاذان ؟ ؛ الرياضيات ؛ الفيزياء ؛ العلوم؛ التربية الإسلامية ؛ المدنية ؛ التاريخ ؛العربية ؛الفرنسية ؛ الانكليزية ...!؟
أم أنهما سيكونان كل على حدة *أستاذ معلم* إن صح تطبيق هذه التركيبة اللفظية ميدانيا..!

لقد تميزت فترة الوزارة هذه بالسوء والخداع ؛ حيث أعلن "الوزير" في إحدى السنوات القريبة الماضية عن وجود فائض في الميزانية ورد جزءا منها ؛ من أجل خداع السلطات العليا ومغالطة الرأي العام ؛ ففي السنة الماضية وغير بعيد عن الإعلان المذكور ؛ لم تجر أي جولة للتفتيش في مناطق كثيرة إن لم تكن الحالة عامة وتم الاحتفاظ بمخصصات ذلك ، ولم يجر أي تكوين لا على مستوى اللغات ولا على مستوى الفنيات ، وتم تعطيل العلاوات المستحقة في العام الماضي محل الحديث ، فمثلا لم تسدد العلاوات المستحقة منذ خمسة أشهر من الآن..!

هذا بالإضافة إلى تعطيل بعض القرارات الأخرى الخاصة ببعض العلاوات ؛ كعلاوة الطبشور للمديرين المباشرين للتدريس في التعليم الأساسي ؛ والتي أقرت في فترة سابقة وتم الإعلان عنها والتأكيد على ذلك إعلاميا في *القناة الرسمية* ، وكذلك علاوة التحفيز التي تم الحديث عنها والتأكيد عليها دون أن تصرف لحد الساعة ؛ سواء بالزيادة أو دونها ..!

وليس ملف *العقدويين* الذين تربحت منه هذه العصابة أيما تربح ؛ بأقل شأنا مما سبق ؛ فلقد كان معيار التعاقد في البداية مبني على التبعية السياسية أو تقديم رشاوى ؛ بغض النظر عن الشهادة ؛ حدث هذا على الأقل في السنوات الأولى لتاريخ البدء بالتعاقد، ولما كثر الحديث في الموضوع -خصوصا في هذا العام- تم الاقتصار على بعض المتعاقدين من أصحاب الشهادات وخصوصا أولئك الذين حازوا تراكمات زمنية في التعاقد ..!

وما قضية *مدرسة نسيبة 1* الأخيرة عنا ببعيد وما أثير حولها من محاولات للتحايل المالي على المنظمين ومحاولات تحريف وصرف الوثائق والمستفيدين عن طبيعتهم !!

هذا قليل من كثير وغيض من فيض ؛ لكن الإشارة واضحة ؛ تحمل دلالة عميقة على حجم الفساد الذي كانت تعيشه الوزارة أيام *الوزير المطرود* الذي كان يشكل وجوده على رأسها خطرا كبير على التعليم والهوية والثقافة والحضارة والدين ..!