إهمال التصنيع.. يكرس التبعية و يبقي على التمييع

أحد, 12/27/2015 - 15:39
الولي ولد سيدي هيبه

ليجوب من يشاء البلاد شرقا وغربا وجنوبا و شمالا و في الأعمق، و لتطأ قدماه كل شبر من أرض الوطن العزيز على نفسه ثم ليقلب بصره في كل زوايا مدنه الكبرى فلن تقع عيناه على مصنع و لو كان حجمه ضئيلا و مدركه هزيلا و اهتمامه بتحويل المواد المحلية أو معالجتها قليلا اللهم الذي يلحظ من انتشار لما هو أقرب إلى ورشات بسيطة تعبئ المياه الجوفية بحجة معدنيتها لتحمل أسماء أوصال الوطن مقطعة و محملة بأتربة الماضي الإقطاعي و كأنه رش على نار النرجسية المتقدة في إيوان "ماضوية" مستعصية على التحول الإيجابي.

و لو أوتي المخططون من أبناء البلد المنتمون لفئة رجال الأعمال المتشبعون بالوطنية و المخلصون بتقيدهم و انسجامهم مع سياسات البلد التنموية المقننة على خلفية توجه صحيح إلى بناء قاعدة صناعية مستقلة، و المسؤولون كذلك عن تسيير مدروس و ممنهج لمقدرات و خيرات البلد الطبيعية الوفيرة و المتنوعة، لاستطاعت البلاد أن تبدو اليوم  ـ في أقل أحوالها وعلى غرار بعض الدول المجاورة كالسنغال و مالي و دون أخرى أكثر منعة كتونس و الجزائر و المغرب ـ ممسكة ببنية قاعدية صناعية تفتح باضطراد الباب أمام تدفق التكنولوجيا التي تسهل التخلص رويدا من التبعية الاقتصادية و تؤمن رخاء الحاضر و تضع اللبنة الصحيحة فوق الأخرى لقيام صرح المستقبل. و لأن الأمثلة على وجود تلك الإرادة و جني ثمارها متعددة، فإن الحالة الماليزية  تبقى في العالم الإسلامي نموذجا لامعا ودرسا جديرا بالاتباع.       

و ماليزيا التي أعلن قيامها دولة في 16 مارس 1963 ـ أي بعد نيل موريتانيا استقلالها بثلاث سنوات ـ استطاعت أن تتبوأ بجدارة عالية اليوم المرتبة الثامنة عشرة اقتصاديا على مستوى العالم. و بنظرة سريعة إلى الأرقام التي حققتها دولة ماليزيا على العديد من الأصعدة، ومن واقع التقارير والدراسات العالمية المعتمدة كذلك، يستطيع الجميع أن يرى بوضوح المكانة المتقدمة التي استطاعت أن تحفرها لنفسها بين دول العالم المتقدم. و قد تحقق كل ذلك و كانت من قبل تجتمع فيها عدة عوامل، يكفي أي منها ليكون حجة للتكاسل والقعود عن العمل، فضلا عن التنافس مع الدول المتقدمة ومضارعتها، وهي المصاعب التي خرجت بها ماليزيا إلى العالم بعد حصولها على الاستقلال على شكل جروح غائرة في جسدها الوليد أكبرها الفقر المدقع حيث كان قرابة نصف الشعب الماليزي يعانيه ولم تكن هناك صناعات تكاد تذكر أو تشتهر بها ماليزيا في ذلك الحين، بل كان أبرز أنشطتها يتركز على تصدير المطاط، ويليه معدن القصدير، مع القليل من المواد النفطية، وكان يحترف بعض سكان ماليزيا مهنة الصيد، ويعمل بعضهم بالزراعة، مع تدني رهيب في مستوى التعليم. و لكن الإرادة الصلبة، و الوعي الثاقب و التخلص سريعا من جميع العقليات المقيدة بعزم و حزم و شجاعة و إيمان و من ثم الاعتكاف في محراب العلم و التكنولوجيا و استدعاء أبجديات التصنيع لتحويل الموجود القليل وتحقيق الاستقلالية منه و به، كانت مفتاح المعجزة الماليزية التي أبهرت و تبهر العالم  ولتعد فخرا للأمة الإسلامية.