قراءة لمراجعة الدستور على ضوء المأمورية الثالثة
الأحد, 26 يوليو 2015 14:29

بقلم الباحث في الدراسات الدستورية والسياسية أحمد ولد محمد أمبارك بقلم الباحث في الدراسات الدستورية والسياسية أحمد ولد محمد أمبارك يقصد بمراجعة الدستور تغيير بعض مواده، أو حذف البعض منها، أو إضافة مواد أخرى، والسبب في مراجعة الدستور قد يختلف من دولة إلى أخرى، وبصفة عامة نراجع أو نغير الدستور لكي يستطيع مواكبة التغيرات الاجتماعية والسياسية التي قد تطرأ في الدولة، فالوثيقة الدستورية لا يمكن أن تكون صالحة لكل زمان ومكان بل هي بنية تقبل التعديل والمراجعة كلما استدعت الضرورة ذلك.

 

وتنقسم الدساتير من حيث مسطرة تعديلها ومراجعتها إلى دساتير مرنة ودساتير جامدة، فالأولى يمكن تعديلها بنفس الإجراءات التي يتم بها تعديل القوانين العادية أي بواسطة السلطة التشريعية وأبرز مثال لها الدستور الانجليزي، أما الدساتير الجامدة فيتطلب تعديلها إجراءات خاصة يمكن حصرها في أربع طرق مختلفة:

 

1- تملك السلطة التنفيذية حق اقتراح مراجعة الدستور فخلال الإمبراطورية الأولى والثانية في فرنسا مثلا كانت الحكومة تملك حق اقتراح مراجعة الدستور.

 

2- يعود اقتراح المراجعة للبرلمان فإذا كان البرلمان أحادي المجلس تكون المراجعة أحادية وإذا كان ثنائي المجس تكون المراجعة ثنائية، فدستور الولايات المتحدة الأمريكية أسند حق اقتراح مراجعة الدستور للكون كرس كما اسند الدستور الفرنسي لسنة 1791 حق اقتراح المراجعة للبرلمان.

 

3- يمكن أن يكون حق المراجعة حقا مشتركا للجهاز التنفيذي والتشريعي معا وهي الطريقة التي ينص عليها كل من الدستور الفرنسي لسنة 1958 والدستور الموريتاني الحالي الذي نص في الفقرة الأولى من المادة 99 على انه (يملك كل من رئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان مبادرة مراجعة الدستور...).

 

4- يمكن أن تسند المبادرة بشأن المراجعة للشعب نفسه كما هو الحال في الدستور السويسري الذي يمنح الشعب حق اقتراح مراجعة الدستور شرط أن يحمل نص المراجعة توقيع 100.000 مواطن وذلك داخل اجل لا يتعدى سنة ونصف.

 

وبعد معرفة الأجهزة التي لها الحق في اقتراح مراجعة الدستور المتعارف عليها في الأنظمة الدستورية سنحاول التطرق للمسطرة المتبعة في مراجعة الدساتير والتي تختلف باختلاف الدساتير بصفة عامة يعود للبرلمان حق النظر في اقتراح أو مشروع المراجعة، ففي الولايات المتحدة الأمريكية يعود حق مراجعة الدستور لجمعية يتم انتخابها خصيصا لهذا القرض.

 

وفي فرنسا يعود للبرلمان بمفرده صلاحية النظر في اقتراح أو مشروع المراجعة، حيث يجتمع البرلمان بمجلسيه في شكل مؤتمر للقيام بهذه المهمة إذا قرر رئيس الجمهورية ذلك ويعتبر اللجوء للبرلمان لاتخاذ نص مراجعة الدستور أقل تعقيدا من المبادرات الأخرى وهو مقيد عموما بشرط الأغلبية المطلوبة.

 

ففي موريتانيا مثلا لا يناقش أي مشروع مراجعة مقدم من طرف البرلمانيين إلا إذا وقعه على الأقل ثلث أعضاء إحدى الغرفتين (مجلس الشيوخ- الجمعية الوطنية) وصوت عليه ثلثا أعضاء الجمعية الوطنية وثلثا أعضاء مجلس الشيوخ ليتسنى تقديمه إلى الاستفتاء وتعتبر المراجعة نهائيا إذا نالت الأغلبية البسيطة من الأصوات المعبر عنها في الاستفتاء، ولا يقدم المشروع إلى الاستفتاء إذا قرر رئيس الجمهورية أن يعرضه على البرلمان مجتمعا في مؤتمر وفي هذه الحالة لا يصادق على مشروع المراجعة ما لم يحصل على أغلبية ثلاثة أخماس الأصوات المعبر عنها ويكون مكتب المؤتمر هو مكتب الجمعية الوطنية وبهذه الطريقة تمت المصادقة على القانون الدستوري رقم: 2012 -015 المتعلق بمراجعة دستور 20 يوليو 1991 المثبت والمعدل بموجب القانون الدستوري رقم: 2006-014.

 

وفي هذا الصدد يجب أن نميز بين الدساتير التي تمنع التعديل وتحظره و تلك التي تجيزه بشروط فحظر التعديل يجب أن لا يفهم على إطلاقه لكون الظواهر الاجتماعية والإنسانية قابلة للتطور والتغير ومن ضمنها القوانين الدستورية إذ أنه رغبة من المشروع الدستوري في تكريس بعض المبادئ الجوهرية في النظام الدستوري للدولة وفي إعطاء القواعد الدستورية فرصة لإثبات فعاليتها وصلاحيتها فإنه يفرض قيودا على سلطة التعديل زمنيا كما تحد مقتضيات أخرى من مراجعة بعض مواد الدستور، فالقيود الزمنية لمراجعة الدستور تقتضي أن لا يراجع إلا بعد مرور فترة زمنية معينة من تاريخ وضعه وذلك بغية الحفاظ على بنيته، وكذلك قصد ضمان استمرار النظام السياسي الذي ينشئه ذلك الدستور.

 

فقد منع الدستور الفرنسي لسنة 1791 مراجعته إلا بعد مرور أربع سنوات كما منع الفصل الخامس من الدستور الأمريكي لسنة 1787 تعديل بعض مواده قبل سنة 1808 كما منع الدستور الاسباني لسنة 1812 مراجعته قبل مرور ثمان سنوات ومنع الدستور الاسباني الحالي لسنة 1788 تعديله خلال فترة الحرب أو عند إعلان حالة الإنذار أو حالة الاستثناء أو الأحكام العرفية ويمنع الدستور الموريتاني الحالي إدخال أي تعديل عليه سواء عن طريق الاستفتاء أو عن طريق البرلمان خلال فترة إنابة رئيس الجمهورية.

 

أما القيود المتعلقة بمراجعة بعض مواد الدستور بصفة نهائية تكون في الغالب مرتبطة بشكل النظام السياسي القائم في الدولة أو بطبيعة المعتقدات الدينية أو الإيديولوجية

 

فبالنسبة لموريتانيا مثلا لا يجوز الشروع في أي إجراء يرمي إلى مراجعة الدستور إذا كان يطعن في كيان الدولة أو ينال من حوزة أراضيها أو من الصبغة الجمهورية للمؤسسات أو من الطابع التعددي للديمقراطية الموريتانية أو من مبدإ التناوب على السلطة والمبدإ الملازم له الذي يحدد مدة ولاية رئيس الجمهورية بخمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة وذلك طبقا لما نصت عليه المادتين 26-28 (المادة 99 من الدستور) ونقترح في التعديل المرتقب إضافة الدين الإسلامي إلى هذه القائمة الحصرية كما هو منصوص عليه في المادة 05 من دستور 20 يوليو 1991.

 

والجلي من مقتضيات هذه المادة أنها واضحة من حيث مدلولها القانوني واللغوي لأنه يستفاد منها من غير أدني اجتهاد ودون أي لبس أو غموض أنه لا يمكن إجراء أي تعديل دستوري إذا كان يتعلق ب :

الطعن في كيان الدولة – النيل من حوزة أراضي الدولة – الصبغة الجمهورية للمؤسسات - الطابع التعددي للديمقراطية الموريتانية - مبدأ التناوب الديمقراطي على السلطة .

 

أما المبدأ الملازم لمبدأ التناوب على السلطة الذي يحدد مدة رئيس الجمهورية بخمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة محكوم بمضمون المادة 29 من الدستور التي نصت على أنه يؤدي رئيس الجمهورية قبل تسلمه مهامه، اليمين على النحو التالي... أقسم بالله العلي العظيم ألا أتخذ أو أدعم بصورة مباشرة أو غير مباشرة أية مبادرة من شأنها أن تؤدي إلى مراجعة الأحكام الدستورية المتعلقة بمدة مأمورية رئيس الجمهورية وشروط تجديدها الواردة في المادتين ( 26-28).

 

و يتضح من خلال القراءة المتأنية لمضمون المادة 29 السابقة أنه لا يجوز لرئيس الجمهورية الشروع في أي إجراء يرمي إلى مراجعة الأحكام الدستورية المتعلقة بمأمورية رئيس الجمهورية و شروط تجديدها الواردة في المادتين 26 و28 من الدستور ، لكن هذ لا يتعارض مع وجود جهات أخرى يكفل لها الدستور الحق في مراجعة الأحكام الدستورية بما فيها الأحكام الواردة في المادتين 26 و 28 ، ونستند في هذا الطرح على نصوص الوثيقة الدستورية.

 

فالمادة 99 من دستور20 يوليو 1991 المعدل تنص على أنه (يملك كل من رئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان مبادرة مراجعة الدستور. لا يناقش أي مشروع مراجعة مقدم من طرف البرلمانيين إلا أذا وقعه على الأقل ثلث 1/3 أعضاء إحدى الغرفتين، لا يصادق على مشروع المراجعة إلا أذا صادق عليه ثلثا أعضاء الجمعية وثلثا أعضاء مجلس الشيوخ ليتسنى تقديمه للاستفتاء ) ، و نستخلص من ذلك أن أعضاء البرلمان يملكون حق مراجعة وتعديل أحكام الوثيقة الدستورية كقاعدة عامة .

 

وبالرجوع إلى المادة 02 من الدستور الموريتاني المعدل نجدها تنص على أن ( الشعب هو مصدر كل سلطة، والسيادة الوطنية ملك للشعب الذي يمارسها عن طريق ممثليه المنتخبين وبواسطة الاستفتاء.لا يحق لبعض الشعب ولا لفرد من أفراده أن يستأثر بممارستها ... ولا يتقرر أي تنازل عن السيادة جزئيا أو كليا إلا بقبول الشعب له ) ، مع العلم أن المقصود بممثلين الشعب هم رئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان ، والاستفتاء هو تصويت الشعب ب نعم أو لا على مشروع قانون دستوري ويمكن أن يتعلق هذ الأخير بالتنازل عن السيادة الوطنية ، فكيف لا يمكن أن يطال الأحكام المتعلق بمدة مأمورية رئيس الجمهورية ، وتماشيا مع ذلك فعلينا أن لا نخاف على الحرية ممن يملكها ولا على السلطة من مصدرها ، ليكون الاستفتاء هو الحل .

 

وتأسيسا على ما سلف ووفقا للدستور يحق للشعب و لأعضاء البرلمان تقديم مقترح مراجعة المواد المتعلقة بمأمورية رئيس الجمهورية (المادة 26 و 28) إذا وقع عليه ثلث أعضاء الجمعية الوطنية أو ثلث أعضاء مجلس الشيوخ وصادق عليه ثلثا أعضاء الجمعية الوطنية وثلثا أعضاء مجلس الشيوخ ليتسنى عرضه على الاستفتاء فإذا نال الأغلبية البسيطة من الأصوات المعبر عنها تكون مراجعة الدستور نهائية.

 

فاحترام رئيس الجمهورية للوثيقة الدستورية لا يمنع أعضاء البرلمان والشعب من ممارسة حقهم الدستوري خاصة إذا كان الغرض هو تحقيق الأهداف العليا للوطن التي يعتبر بلوغها جزء من المشروعية السياسية المعبرة عن الإرادة العامة للشعب.

 

و لقد اتضح من خلال زيارة رئيس الجمهورية للولايات الداخلية تمسك المواطنين والنواب والشيوخ والمنتخبون المحليون به، هذا فضلا عن تكريسه لدولة الحق والقانون من خلال تطوير الترسانة القانونية الموريتانية التي أصبحت تتماشى مع الاتفاقيات والمواثيق الدولية مما أدى إلى وصف بعض المراقبين له بقائد مسيرة تدوين الأجيال الثلاثة لحقوق الإنسان، وبتعليمات منه اتخذت الحكومة تدابير تشريعية وإدارية وقضائية و إجتماعية فعالة لحظر وتجريم الاسترقاق والتعذيب و اعتبارهما جرائم ضد الإنسانية ولأول مرة في تاريخ البلد وفقا لمقتضيات التعديلات الدستورية الأخيرة ، هذ فضلا عن تحرير الإعلام السمعي البصري الذي يجب أن يبتعد عند المساس بالثوابت الوطنية التي نحتاج إلى تحديدها في الوثيقة الدستور ، بالإضافة التمييز الايجابي لصالح النساء و الشباب و ذوي الاحتياجات الخاصة ، و توسيع وتطوير شبكة المياه و الكهرباء و إنشاء مراكز صحية وتعليمة هامة و إطلاق مشاريع تنموية عملاقة على عموم التراب الوطني ، فمن اجل مواصلة هذه القفزة التنموية النوعية تحتاج البلاد إلى مأمورية ثالثة حماية للمكتسبات وتشجيعا لفخامة رئيس الجمهورية على خدمة الوطن و المواطن .

 

فإذا كان رئيس الجمهورية يحظى بأغلبية برلمانية مريحة وشعبوية حاشدة فكيف نمنعهم من تعديلات دستورية مدسترة ونحن نطالب باحترام الدستور والانتقال الديمقراطي بحيث يعتبر البعض أن مرحلة نقاش النصوص القانونية والدستورية من أجل احترامها من أهم مراحل الانتقال الديمقراطي، وعلى الجميع أن يفهم أن الديمقراطية مراحل لا يمكن أن تأتي دفعة واحدة فالثورة الفرنسية انطلقت سنة 1789 من أجل الحرية والكرامة والمساواة، ومع ذلك لم تتحقق الديمقراطية الفرنسية إلا على يد الجنرال ديجول الذي شكل لجنة أو مجوعة عمل برئاسة وزير العدل Michel Debré لإعداد مشروع دستور وبعد إعداده ونقاشه في مجلس الوزراء تم عرضه على الاستفتاء في 28 دجمبر1958 فوافق عليه أكثر من 80% من الناخبين الفرنسيين وأصدره رئيس الجمهورية ديجول في 04 أكتوبر 1958 أي بعد 169 سنة من الثورة الفرنسية، وأقام هذا الدستور الجديد نظاما ديمقراطيا وجمهوريا استطاع ديجول من خلاله القضاء على الأزمات السياسية والاضطرابات الوزارية و حقق في ظله الاستقرار السياسي حتى أصبحت فرنسا اليوم نموذجا للديمقراطيات الغربية ، فلماذا الحديث عن أزمة سياسية في موريتانيا ودستورنا يخول لرئيس الجمهورية القضاء على كافة الأزمات بأساليب ديمقراطية و إجتماعية و إقتصادية؟ .

 

 

 

بقلم الباحث في الدراسات الدستورية والسياسية أحمد ولد محمد أمبارك الجوال: 22313155 – البريد الالكتروني : [email protected]