عام على حرب غزة وجراح مُصابيها لم تندمل
الجمعة, 10 يوليو 2015 16:10

altaltقبل نحو عام، كان الشاب رامي جندية يركض فوق العشب الأخضر في ملعب اليرموك بمدينة غزة، لعدة ساعات يوميًا، غير مبالٍ لأي تعب، فحلمه بأن يصبح لاعب كرة قدم “محترف” لم يكن يفارق مخيلته.

غير أن لقب “صاحب إعاقة دائمة” الذي اقترن بـ جندية، البالغ من العمر 22 عامًا، بعد بتر ساقه اليمنى، خلال الحرب على غزة، حطم حلمه.

وبنبرة يأس يقول:” لقد مرّ عام كامل على الحرب، وأنا لا أملك طرفًا صناعيًا، ما ذنبي كي أفقد ساقي، لا أصدق ما حدث، لقد كنت رياضيًا، كيف سأركض الآن؟ “.

وبسبب قذيفة مدفعية إسرائيلية استهدفت جندية، خلال محاولته إسعاف طفل صغير، أثناء الحرب العام الماضي، بُترت ساقه اليمنى من فوق الركبة، بينما أصيبت اليسرى بعشرات الشظايا، مما تسببت في عدم مقدرته على السير.

ويتملّك الاحباط الشاب جندية، الذي يُجري علاجًا طبيعيًا في مركز لتركيب الأطراف الصناعية، كلما شاهد الأطراف الصناعية، على حد وصفه، مشيرًا إلى أنه” لا يستطيع تركيب طرف “.

وتابع:” أحتاج إلى إجراء عملية جراحية في ساقي، خارج قطاع غزة لقطع نحو 15 سنتيمتر منها، وأنا لا أملك المال اللازم”.

ولا تتوقف معاناته على فقدان حلمه بأن يصبح لاعب كرة قدم، فبتر ساقه، تسبب في فقدان عائلته للمعيل الوحيد.

ويقول جندية:” والدي مريض لا يستطيع العمل، وأنا كنت أتدبر شؤون أسرتي من خلال ببعض الأعمال الحرة، لقد أصبحنا بلا مال، أمنيتي أن أوفر لإخوتي حياة كريمة في ظل الفقر والحصار”.

ولا تزال ذاكرة جندية، تحفظ تفاصيل آخر مرة ركض فيها، بدقة متناهية كما يقول، متمنيًا لو أن “الوقت توقف حينها، وأن تعود حياته طبيعية كما كانت”.

وشنت إسرائيل حربًا على قطاع غزة في الـ 7 يوليو/تموز العام الماضي، استمرت لمدة 51 يومًا، أسفرت عن مقتل ما يزيد عن 2160 فلسطينيًا.

وأدت الحرب إلى إصابة ما يزيد عن 11 ألف آخرين.

وقالت إحصائيات حقوقية فلسطينية، وفقًا لطواقم بحثها الميداني، إنها قدّرت عدد الجرحى الذين أصيبوا بإعاقات دائمة بـ الآلاف.

ويقول عوني مطر، رئيس اتحاد المعاقين في غزة، إن اتحاده وبالتعاون مع وزارتي الصحة والشؤون الإجتماعية، قدّر نسبة الجرحى الذين أصيبوا بإعاقات سمعية وبصرية وحركية بسبب الحرب، تجاوزت الـ (40%) من مجموع الجرحى.

لكن وزارة الصحة الفلسطينية، على لسان الناطق باسمها، أشرف القدرة، تشير إلى صعوبة رصد أعداد الأشخاص الذين أصيبوا بإعاقات دائمة بسبب الحرب.

وتحاصر إسرائيل غزة، حيث يعيش أكثر من 1.8 مليون نسمة، منذ أن فازت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالانتخابات التشريعية في يناير/ كانون الثاني 2006، ثم شددت الحصار إثر سيطرة الحركة على القطاع منتصف العام التالي. وما زال الحصار متواصلا رغم تخلي “حماس″ عن حكم القطاع، مع الإعلان عن حكومة الوفاق الفلسطينية في 2يونيو/حزيران الماضي.

وبسبب إغلاق معبر رفح المتكرر خلال الأشهر الماضية، لم يستطع أحمد محمد (27 عامًا)، من السفر إلى الخارج لاستكمال رحلته العلاجية وتركيب طرف صناعي لقدمه اليسرى، وفق قوله.

وأكمل محمد المتزوج منذ أربع سنوات:” لجأت لتركيب طرف صناعي محلي الصنع، لكنه سبب لي الأوجاع والألم، ولم يكن ذي الجودة المناسبة، أحتاج للسفر للحصول على العلاج وعلى طرف ذي تقنية عالية”.

وأشار أحمد الذي بترت ساقه اليسرى، جراء قذيفة إسرائيلية، استهدفته خلال وجوده بجوار منزله في حي الشجاعية، إلى أنه حاول عدة مرات السفر عبر معبر رفح ولكن بسبب إغلاقه المتكرر وفتحه أمام الحالات الإنسانية فقط لم يتمكن من ذلك. ولفت أحمد إلى حاجته لتوفير كرسي متحرك كهربائي، ليسهل عليه تحركه، إلا أن إغلاق المعابر يحول دون دخول هذه الكراسي، إلا عبر الجمعيات الخيرية، التي لا تستطيع توفيرها للجميع، حسب قوله.

وتغلق السلطات المصرية، معبر رفح، الواصل بين قطاع غزة ومصر، بشكل شبه كامل، منذ تموز/يوليو 2013، وتفتحه فقط لسفر الحالات الإنسانية، وتقول الجهات الرسمية المصرية، إن فتح المعبر مرهون باستتباب الوضع الأمني في محافظة شمال سيناء، وذلك عقب هجمات تستهدف مقرات أمنية وعسكرية مصرية قريبة من الحدود.

وستحول إصابة الشاب أنس اليازجي، بينه وبين تحقيق هدفه بإكمال دراسته الجامعية، والحصول على الشهادات العليا، حسب قوله.

ويقول اليازجي إنه مصاب بـ”بتر في الساق اليمنى، وعطب في أوتار اليدين، وكسور مضاعفة في الذراعين والمفاصل، والساق اليسرى”. ويتابع الشاب بعد أن حمله شقيقه من تحت إبّطيه وأجلسه على كرسي متحرك:” كنت أتمنى أن أكمل دراستي الجامعية، فلم يتبق لي سوى فصل دراسي واحد، وأن أؤدي فريضة الحج والعمرة على أقدامي، الآن لا أستطيع حتى الخروج من المنزل”.

وأصيب اليازجي بقذيفة مدفعية إسرائيلية بشكل مباشر، بالقرب من منزله في منطقة بيت حانون، شمالي قطاع غزة، عندما حاول العودة إلى البيت بعد نزوح عائلته، لجلب بعض الحاجيات الضرورية لهم، كما قال للأناضول.

ووفق اليازجي فإن الظروف الاقتصادية تحول دون استكمال رحلة علاجه، مضيفًا “والدي أصيب بشلل رباعي في الحرب قبل الأخيرة، وأنا أصبت، لم يعد لنا مصدر دخل”.

ولا تزال الشابة فداء أحمد (اسم مستعار)، تحت وقع الصدمة، بعد أن أصيبت بحروق بالغة في وجهها، وشلل نصفي في أطرافها السفلية، نتيجة إصابة في نخاعها الشوكي.

وتقول صاحبة الـ 25 عامًا التي فضّلت عدم الكشف عن اسمها الحقيقي:” أشعر بتعب نفسي، وأنني فقدت كل شيء، كأن عقارب الحياة توقفت أيضًا، وأصبحت أيامها سوداء، أرى الوجع والألم والحزن في كل مكان”.

وأشارت إلى أنها ما تزال تعاني من آثار حروق في وجهها، وأنها لم تتمكن من السفر لتلقي العلاج، في ظل عدم تمكن الأطباء في قطاع غزة من علاجها بشكل كامل.

وتضيف:” لقد أصبت بتشوه وشلل، كنت آمنة في منزلي أرعى زوجي ورضيعتي، إصابة أوقفت حياتي وحياة زوجي وطفلتي، أسرة كاملة أصيبت بالدمار، إسرائيل قتلت حلمي بأن يكون لي بيت سعيد”.