قوارب الموت : مسالك ممتدّة من جنوب صحراء افريقيا إلى سواحل ليبيا
الخميس, 18 يونيو 2015 17:36

اصوات الكثباناصوات الكثبانيكفي أن تتأمل جيدا خارطة جنوب الصحراء الكبرى في افريقيا لتفهم حجم ظاهرة الانفلات الأمني على الحدود التي مكنت متساكنا من "فارافاني" في غمبيا (بلد يقع على المحيط الأطلسي) أن يعبر ما يقارب 7 آلاف كيلومتر حتى يصل إلى منطقة زوارة الموجودة في شمال ليبيا بحثا عن طريقة تمكنه من الهجرة إلى إيطاليا بطريقة غير شرعية.

 

يقول "عبدولاي" البالغ من العمر 20 عاما: " ابتدأت رحلتي من غمبيا حيث ركبت شاحنة  نقلتني إلى مرزق جنوب ليبيا مرورا عبر السينيغال، جنوب موريطانيا، شمال مالي و النيجر و ذلك مقابل 300 دولار".

 

هذه القصة الحقيقية تترجم عمق الإخلالات و الانفلات الأمني في كامل بلدان جنوب الصحراء الكبرى التي تؤدي إلى تفاقم ظاهرة الهجرة غير الشرعية و تعدد قوارب الموت. ويؤكّد الصّحفي مصطفى وهو من ساكني غات، البلدة اللّيبيّة الموجودة على حدود الجزائر وغير بعيد عن حدود النّيجر أنّ : » العديد من الشاحنات تمر من هذا الطريق أو عبر مسالك أخرى تنطلق من غانا، الكامرون، التشاد، النيجر أو السودان وهي بلدان مجاورة لليبيا »

 

حسان هو أحد الشبان الذين طالما حلموا بالسفر إلى أروبا بحثا عن حياة أفضل. بوبكر أيضا. و يقول هذا الأخير: " أنا أصيل ضواحي قاروة شمال الكامرون. لم أتمكّن من الوصول إلى منطقة زوارة إلاّ بعد أن قضّيت 15 شهرا في التنقل من بلد إلى آخر قبل أن أصل إلى هنا. لقد قضّيت ثمانية أشهر في خدمه التبو في الكفرة (جنوب ليبيا) لأنّه  لم يكن لديّ إتاوة العبور التي تفرضها ميليشيا محلية في غات في أقصى جنوب ليبيا.

 

يحكي بوبكر كيف أنّ شاحنة قادتهم هو و مجموعة اخرى من الشبان من الكامرون إلى غات. حيث سلمهم السائق إلى زميل له في ليبيا ليوصلهم إلى شمال البلاد. ثم ملأ الشاحنة بالمواد الغذائية و عاد إلى الكامرون في حين كان بوبكر و أصدقاؤه فرحيين بوصولهم إلى ليبيا. و في نقطة الخروج من غات وقع إيقافهم من طرف ميليشيا طلبت منهم 50 دولار للفرد الواحد.

 

يقول بوبكر: لم أكن أملك هذا المبلغ. فمُنِعَ عليَّ العبور ووقع احتجازي ثم وقع تسليمي إلى أحد أعيان التبو حيث قضّيت في حاشيته ثمانية أشهر. و لكن أحد القادة العسكريّين قام بتسريحي و سلّمني 150 دينارا ليبياّ مكّنتني من الوصول إلى صرمان على سواحل البحر الأبيض المتوسط.

 

دفع بوبكر 250 يورو مقابل رحلته من بلده الكامرون إلى حدود ليبيا. وهو مبلغ عمل جاهدا هو و عائلته لتجميعه كي يقوم بهذه الرحلة.

 

ويضيف بوبكر: " أنوي العمل في ليبيا لكي أستطيع جمع مبلغا آخرا يمكنّني من مواصلة رحلتي إلى إيطاليا". مع العلم أن عبدولاي و بوبكر هما أميان كما هو الحال بالنسبة  لأغلبية المهاجرين غير الشرعيين الذين لم يدخلوا يوما المدرسة.

هم أساسا سكان مناطق فقيرة لا توجد فيها موارد كافية تجعلهم يتمسكون ببلادهم.

 

ويقول عبدولاي وهو يحبس دموعه، مفسّرا اندفاع الأفارقة نحو قوارب الموت : نحن لا ننعم بالحياة مثل غيرنا لذلك خير أن نقوم بهذه المغامرة و نهاجر، مهما كانت عواقبها فالموت لا يخيفنا مثل غيرنا بما أنّا لا نملك شيئا نخاف عليه.

 

و حسب عميد كلية الحقوق في بنغازي سليمان ابراهيم فإن رداءة الوضع المادي الذي يعيشه الشبان الراغبون في الهجرة غير الشرعية هو الذي يدفعهم إلى المغامرة فحاضرهم لا يمثل إلا حلقة ثانية من المعاناة التي غالبا ما تنتهي بمأساة أكبر.