الأخطاء الطبية تقتل الموريتانيّين
الأربعاء, 13 مايو 2015 23:31

altalt يتبادل موريتانيون الأحاديث عن تزايد نسبة الأخطاء الطبية في البلاد، حتى بات البعض يشكّك في كفاءة الأطباء، بعدما تسببت عمليات تعدّ بسيطة، على غرار إزالة اللوزتين أو الختان أو الولادة القيصرية وغيرها، في مآس للمرضى وعائلاتهم، ما جعلهم يشككون بالأطباء، ويرجحون وجود أخطاء طبية.

وتزدادُ معاناة المرضى حين تؤدي الأخطاء الطبية إلى بتر ساق أو عضو آخر، أو الإصابة بشلل وغيرها من المشاكل، علماً أنها تكررت في أكثر من مستشفى، حتى باتت الأخطاء الطبية بمثابة "وحش قاتل" تؤدي إلى موت بعض المرضى أو تتسبب بإعاقات لديهم بسبب الإهمال أو التقصير، كما يقول المرضى أنفسهم.

ويحتلّ الأطفال المرتبة الأولى في لائحة ضحايا الأخطاء الطبية. وتؤكد مصادر طبية في موريتانيا، رفضت الكشف عن اسمها، أن غالبية ضحايا الأخطاء الطبية هم أطفال، وقد ماتوا بسبب ضعف كفاءة الأطباء الذين أشرفوا على إسعافهم وأجروا عمليات جراحية لهم.

تضيف المصادر لـ"العربي الجديد" أن "إعطاء المرضى جرعات مخدرة زائدة، أو التأخير في تقديم العلاج المناسب، بالإضافة إلى سوء التقدير، هي أكثر الأخطاء الطبية التي نشهدها عادة". وتؤكد أن غالبية الحالات التي تأثرت بسبب الأخطاء الطبية كانت تعاني من مضاعفات بسيطة، إلا أن هؤلاء خسروا حياتهم أو اضطروا إلى بتر عضو أو أكثر.

 

زائدة.. فموت

في السياق، يقول يحيى ولد محمد لمين (31 عاماً)، وهو موظف، إنه فقد أخاه بسبب خطأ طبي نتج من جرعة تخدير زائدة. يضيف أن شقيقه كان يجري عملية جراحية بسيطة وهي استئصال الزائدة، إلا أنه دخل في غيبوبة استمرت أياماً قبل أن يموت. ويحمّل طبيب التخدير مسؤولية وفاة شقيقه، لافتاً إلى عدم اطلاع الأطباء على الفحوص الطبية التي أجراها شقيقه قبل العملية الجراحية. ويلفت إلى أن الأطباء "تحولوا إلى تجار. ولأنهم يعملون في أكثر من مستشفى، لا يعطون المريض الوقت اللازم، ما يؤدي في بعض الأحيان إلى حدوث أخطاء قاتلة، ويتناسون قسَمهم. كما أن الطب أساساً مهنة إنسانية". في ظل هذا الواقع، اختار بعض الموريتانيين حماية أنفسهم من احتمال الوقوع في فخ الأخطاء الطبية من خلال العلاج في الخارج. وتؤكد تقارير رسمية أن نسبة الموريتانيين الذين يسافرون للعلاج في الخارج في تزايد مستمر.

وفي الآونة الأخيرة، حذر السلك الوطني للأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان في موريتانيا (هيئة شبه حكومية)، من التغاضي عن تزوير الشهادات الطبية، لافتاً إلى تورّط جهات نافذة في التغطية على حملة الشهادات المزورة، وإهمال ملف الأخطاء الطبية الناتجة من الأطباء. وأكد أن هناك عمليات غش وتزوير من قبل بعض الأطباء، الذين يتاجرون بالناس، وقد جرّدوا المهنة من أخلاقياتها، واستغلوا الناس لجني الأرباح بطرق غير مشروعة.

وأشار السلك إلى اجرائه تحقيقاً ميدانياً في قضية الشهادات الطبية التي تباع على الطرقات، أو في بعض المراكز الصحية، وقدّم شكاوى للسلطات الصحية والأمنية، لإجراء تحقيق في القضية ومحاسبة جميع المخالفين.

 

أرشفة

إلى ذلك، يعزو عدد من خبراء الصحة تزايد الأخطاء الطبية إلى تردّي الخدمات الصحية في البلاد، وتزوير الشهادات في قطاعي الطب والصيدلة. في السياق، يقول طبيب القلب سيدي محمد ولد أحمد الشيخ لـ "العربي الجديد" إن "تغاضي السلطات الصحية عن انتشار الأدوية المزورة والعمليات التي يجريها ممرضون وأطباء في عيادات يرأسها أطباء لا يتمتعون بسمعة جيدة، تسيء إلى مهنة الطب وتؤدي إلى حدوث أخطاء كثيرة".

ويرى أن ضعف خدمات القطاع الصحي وضعف البنية التحتية هما سببان رئيسيان لحدوث الأخطاء الطبية. يضيف أن "كثرة المستشفيات الخاصة وقلة الأطباء تفتح الفرص أمام الأطباء والممرضين للعمل في أكثر من مستشفى، وتحمل ضغط العمل. في هذا الجو، يكثر احتمال حدوث أخطاء".

من جهة أخرى، يشير إلى عمل شبكات عدة في تجارة الأدوية المنتهية الصلاحية، لافتاً إلى أنها يمكن أن تؤثر سلباً على علاج المرضى، وتتسبب بمضاعفات لا يمكن علاجها. ويدعو الطبيب وزارة الصحة ونقابة الأطباء إلى الحد من هذه الفوضى التي يعاني منها القطاع الصحي في موريتانيا، والإسراع بتشكيل هيئة لها صلاحيات واسعة وقادرة على اتخاذ القرارات اللازمة ومتابعة الأطباء المتورطين في الشهادات المزورة، أو الذين ارتكبوا أخطاء طبية فادحة.

 

في السياق، يقول المحامي سيدي ولد الزين لـ"العربي الجديد" إنه "على الرغم من عدم توفر إحصائيات رسمية عن الأخطاء الطبية في المستشفيات العامة والخاصة، تدل مؤشرات عدة على خطورة الواقع"، موضحاً "أنه يجب إبلاغ المستشفيات عن الأخطاء التي يرتكبها الأطباء، وخصوصاً في المستشفيات العامة التي لا تهتم كثيراً بالصيت لجذب المرضى".

يضيف ولد الزين أنه يجب تسجيل وأرشفة هذه الأخطاء، واستخلاص العبر منها، ومعاقبة المتهمين وخصوصاً إذا كان الأمر يتعلق بإهمال، مشيراً إلى ضرورة تقديم شكوى ضد الأطباء حين تقع هذه الحوادث، ومؤكداً على أهمية دور وسائل الإعلام في هذا الصدد.

 

العربي الجديد