طهران والغرب: صفقة ملغومة أم حل حقيقي؟
الثلاثاء, 07 أبريل 2015 21:31

altaltتنفس العالم الصعداء لحظة توقيع الاتفاقية التاريخية بين إيران والدول الغربية الست المعنية بالمفاوضات النووية معها.

فعلى مدى عقد كامل كان شبح الحرب يخيم على المنطقة بسبب التهديدات الاسرائيلية المتواصلة باستهداف إيران ومشروعها النووي. ولذلك فما ان لاحت في الافق بوادر التوصل لاتفاق يحول دول استهداف الجمهورية الإسلامية عسكريا حتى ضج 

بنيامين نتنياهو الذي كان يراهن على استمرار التوتر حتى يصل إلى العمل العسكري.

وبتوقيع الاتفاقية الاولية التي تحتوي أطر الاتفاقية النهائية المزمع توقيعها نهاية حزيران/يونيو تغيرت اجواء العلاقات بين إيران والغرب وتلاشت احتمالات المواجهة العسكرية في المستقبل المنظور على الاقل.

ونظرا للتاريخ الطويل من القطيعة مع الولايات المتحدة، فقد حذر وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، من التفاؤل بتغير تلك العلاقات قائلا ان توقيع الاتفاقية الاطارية لا يعني تحسين العلاقات مع واشنطن. مع ذلك فالواقع قد يختلف عن ذلك خصوصا في ضوء عدد من الحقائق:

أولها ان البلدين تعاونا بشكل عملي في مواجهة الإرهاب الذي تمثله مجموعات التطرف مثل القاعدة وداعش، لانهما يمثلان خطرا على الطرفين.

ثانيها: ان هذا التعاون بلغ ذروته في العراق في الشهور الاخيرة بعد ان وسعت داعش نفوذها واحتلت مناطق واسعة واعلنت دولتها هناك، الامر الذي جعلها اكثر خطرا وأقدر على توسيع ذلك الخطر جغرافيا. ثالثها: ان إيران تخلت عن سياستها الرافضة، بشكل مطلق، للتفاهم مع الولايات المتحدة، ودخلت في حوارات معها في العراق.

رابعها: ان انتشار ظاهرة الإرهاب والتطرف اقنع الطرفين بضرورة التصدي لهذه الظواهر ومحاصرتها ومنع توسع دائرتها بعد ان اصبحت خطرا مدمرا للجميع. في ظل هذه التطورات، كان واضحا ان هناك مجالا للتفاهم حول المشروع النووي الإيراني الذي استهدفته الولايات المتحدة منذ العام 2003 بشكل خاص. يومها كان الرئيس محمد خاتمي يسعى للتمهيد للتفاهم والتحاور بين طهران وواشنطن، ولكن الغربيين لم يساعدوه على ذلك ولم يسهلوا مهمته، بل زادوها تعقيدا عندما فرضوا العقوبات والحصار الاقتصادي على إيران.

التفاوض حول المشروع النووي الإيراني هيمن على العلاقات بين إيران والدول الغربية طوال العقد الماضي. وربما كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يسعون لتكرار السيناريو العراقي الذي انتهى باستهداف العراق عسكريا وأدى للاطاحة بصدام حسين ونظام البعث.

وبعد خروج السيد محمد خاتمي من الرئاسة الإيرانية وصعود نجم احمدي نجاح توسعت الفجوة بين الطرفين، خصوصا ان احمدي نجاد استخدم خطابا مختلفا مع الاحتلال الاسرائيلي وأنكر المحرقة الامر الذي حرك اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة ضده.

وقد اثيرت المسألة الطائفية كسلاح لمنع التغيير السياسي في منظومة الحكم في الدول العربية. وتم حرف بوصلة الجماهير فانشغلت بالتناحر الداخلي بعيدا عن هموم التغيير والتصدي للاستبداد والديكتاتورية. وتواصل التحريض ضد إيران ومشروعها النووي بدعم اسرائيلي بسبب سياسة إيران من القضية الفلسطينية منذ انتصار ثورتها في 1979.

وبلغت الضغوط ذروتها في الاعوام الثلاثة الاخيرة، بسبب تمايز الموقف الإيراني عن سياسات قوى الثورة المضادة إزاء الاوضاع في العديد من الدول العربية. واستغلت القضية السورية للشحن الطائفي والسياسي ضد إيران بشكل غير مسبوق، واستغلت القضية النووية لتصعيد تلك الضغوط. فكان الحصار الاقتصادي واحدا من اساليب الضغط الفاعلة على طهران. فقد تراجعت اسعار العملة الإيرانية ومنع التعامل المصرفي مع إيران، الامر الذي ضاعف متاعبها.

كما تقلصت صادراتها النفطية بشكل ملحوظ من اكثر من ثلاثة ملايين برميل يوميا إلى اقل من مليون في الشهور الاخيرة. وبالاضافة لانخفاض كمية النفط التي تصدرها إيران، فقد منعت من استلام عائدات البيع بشكل كامل.

فواجهت مؤسساتها الاقتصادية اكبر مشكلة في التاريخ الإيراني المعاصر، ولم تستطع الاستيراد او التصدير بسبب عدم قدرتها على تحويل الاموال او استلامها. ومنذ قيام الثورات العربية حتى الآن خسرت إيران 60 بالمائة من شركاتها التجارية نتيجة الحصار المالي والمصرفي.

الدبلوماسية الإيرانية تغيرت بعد الانتخابات الرئاسية الاخيرة التي جاءت بالرئيس حسن روحاني إلى الحكم خلفا لاحمدي نجاد.

وكان واضحا وجود فرق كبير في الخطاب السياسي للرئيسين، الامر الذي ساهم في  تخفيف حدة الرفض الغربي للجمهورية الإسلامية. وكان الغربيون قد انتقدوا كثيرا لفشلهم في التعامل الايجابي مع الرئيس السابق، محمد خاتمي، الذي استخدم لغة التفاهم والحوار والاصلاح ولكن الغربيين أصروا على وضع العراقيل الاقتصادية في طريقه بسبب المشروع النووي.

وخلال العامين الماضيين مارس الرئيس روحاني وفريقه التفاوضي برئاسة وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، دبلوماسية هادئة في محاولة لكسر الحصار المفروض على الجمهورية الإسلامية.

كما ان اصرار الإيرانيين على التمسك بمشروعهم النووي أقنع الغربيين بضرورة الحوار للتوصل إلى ارضية مشتركة تضمن عدم قدرة إيران على انتاج السلاح النووي، وتضمن لها رفع العقوبات المفروضة عليها والتي أضرت كثيرا باقتصادها.

الإيرانيون اصروا على امتلاك دورة نووية كاملة وفقا لنصوص معاهدة الحد من الاسلحة النووية (ان بي تي)، بينما شكك الغربيون في نواياها وانها تسعى لتصنيع السلاح النووي. واستطاعت إيران تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 بالمائة الامر الذي رفضه الغربيون.

الاتفاقية الحالية تنص على سحب مخزون اليورانيوم المخصب بهذه النسبة وحصر التخصيب بما نسبته 3.5 بالمائة فقط، وهي النسبة التي تتطلبها المفاعلات النووية المخصصة لتوليد الطاقة.

كما تم خفض عدد اجهزة الطرد المركزي من 19 الفا إلى أقل من ستة آلاف جهاز فقط، وستوضع محطة «فوردو» المحصنة جيدا تحت الجبال خارج نطاق الانتاج النووي ويقتصر نشاطها على البحث العلمي. كما سيتم خفض نشاط مصنع «اراك» الذي يعمل بالمياه الثقيلة ويمنع من انتاج يورانيوم مخصب بالنسب التي يحتاجها السلاح النووي.

تفصيلات الاتفاقية الاطارية ما تزال عامة، ولكنها تنص كذلك على العودة التدريجية الإيرانية للتعامل المصرفي الدولي الذي عانت كثيرا من إخراجها منه, والافراج عن اكثر من مائة مليار من الاموال الإيرانية المجمدة في الخارج.,

إيران بمفردها كانت تواجه ست دول كبرى تصر على حرمانها من حقها في تطوير مشروعها النووي، بينما كان التحريض والتهديد ضدها لا يتوقفان، خصوصا من قبل الكيان الاسرائيلي وبعض دول مجلس التعاون، خصوصا السعودية. لقد كانت مفاوضات شاقة استغرقت اثني عشر عاما واظهرت العديد من تناقضات الموقف الدولي.

فالصمت ازاء المشروع النووي الاسرائيلي امر محرج للغربيين، كما ان رفض الكيان الاسرائيلي الانضمام لمعاهدة الحد من انتشار الاسلحة النووية يعتبر تحديا للارادة الدولية يستلزم سياسة غربية شبيهة بما اتبع ضد إيران.

ومن جانبها فقد أصرت الجمهورية الإسلامية على عدم نيتها لانتاج السلاح النووي، واكدت ذلك بفتاوى دينية تحرم ذلك.

ويبدو ان عوامل عديدة ساهمت في توفير الظروف للاتفاق الاطاري الحالي: اولها تغير شخصيات الحكم في إيران العام الماضي، وفي واشنطن، فالفريقان يسعيان لتفادي العمل العسكري المباشر، لان ذلك سيؤدي لدمار واسعز ثانيها تصاعد الإرهاب والتطرف وانعكاسات السلبية ليس على المنطقة فحسب بل على الامن والسلام الدوليين، وشعور الغربيين بالحاجة لإيران في التصدي له خصوصا في سوريا والعراق.

ثالثها إصرار طهران على عدم التنازل لما تعتبره مطالب انتقائية وغير مشروعة من الغرب تهدف لحرمانها مما تعتبره حقا طبيعيا في امتلاك التكنولوجيا النووية.

رابعها اقتناع الغربيين بعدم جدوى الاصرار على المطالبة بتفكيك المشروع النووي الإيراني، لان ذلك لن يحدث، وان إيران تمتلك القدرة والخبرة الفنية لاعادة بناء مفاعلات عديدة فيما لو تعرضت لعدوان خارجي على منشآتها النووية.

خامسا: قدرة إيران على تطوير ادائها العلمي والفني في غضون عشرة اعوام، وتجاوز ما قدمه العالم النووي الباكستاني، عبد القدير خان، من تصميمات بتكنولوجيا قديمة.

ما يزال الوقت مبكرا للحكم على الاتفاقية الاطارية، وما اذا كانت ستؤدي لوئام بين إيران والغرب حول البرنامج النووي، وما اذا كانت ستؤدي لرخاء اقتصادي إيراني. الامر المؤكد ان تخفيف التوتر في العلاقات بين طهران والعواصم الغربية سيتيح لها مجالا اوسع لممارسة ادوار اقليمية ودولية اوسع.

وليس مستبعدا ان تكون تصريحات الرئيس اوباما هذا الاسبوع التي طلب فيها من حكام الخليج التفاهم مع شعوبهم واصلاح اوضاعلهم الداخلية ومد جسور الحوار مع إيران، احدى نتائج التوافق النووي المذكور.

مع ذلك ليس مستبعدا كذلك ان يحدث لغط داخلي في إيران نتيجة ما تعتبره الاجنحة الثورية  «تنازلا» غير مقبول للمشروع النووي واخضاعه لرقابة غربية صارمة خصوصا اذا تلكأ الغربيون في رفع العقوبات والحصار ولم يتصدوا للمشروع النووي الاسرائيلي.

اتفاقية مثيرة والغام غير قليلة وآمال متأرجحة. طبخة كبرى لم يرشح منها حتى الآن سوى رائحة الطهي ودفء المرجل، اما الطعم والقيمة الغذائية والثمن المدفوع فما يزال الجميع ينتظر وضوحها، وسيبقى الحكم على الطبخة مؤجلا حتى يحدث ذلك.

٭ كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

د. سعيد الشهابي