إذا وقعت...
الاثنين, 05 أغسطس 2013 22:34

رؤساء المنسقية رؤساء المنسقية رن هاتف جميل.. سلميتنا أقوى من الرصاص.. سلم... نظر في شاشة الهاتف...

ـ أتفُ! لا بد أنه (كرط كرت) 300 أوقية... مساكين يكدحون في الدنيا..أما الآخرة... لا يتصل أبدا، أما إذا اتصلت به، فإنه يجدها مناسبة لرواية قصة حياته...لا يجوز الاتصال به لما فيه من تبذير (كردي)... قرر أن (يببي) أحمد، وهو يتمتم...

ـ ليتصل من مال المؤسسة قبل أن تداهمه المفتشية.. رفع يديه إلى السماء.. اللهم ارسلها إليه على جناح السرعة واجعل ولد الداده قائده إلى دار النعيم، وجنّبه حكمة ولد حمزة، إنك على ما تشاء قدير...

رن هاتف أحمد..

ـ أقسم بالله العظيم أنه عا...

فكر أحمد، دون أن يتناول هاتفه، فقد خصص له هذه الرنة، بعد قسمه الشهير...

عندك شركة اتصال، و(تبيبي!) ولتجدنهم أحرص الناس على (كريدي)... سيحلف أنه لم يبيبي، وإنما أراد الاتصال لكن (الريزو) رديء... اتصل أحمد..

ـ آلو...

ـ وعليكم السلام ورحمة الله. السيد الرئيس..الاتصال استئذان، والاستئذان يكون بالسلام...

ـ حين تتصل أنت من رصيدك، ابدأ بالسلام.

ـ كنت أريد أن أتصل لكن الريزو...

قاطعه...

ـ أنت والريزو لا تجتمعان... أحس بالحرج...

ـ اتصل بي محمد.. أستغفر الله بباني..

ـ ماذا يريد؟

ـ قلت لك بباني.. لكنني خمنت أنه يريد الحديث في مصيبة السبت، فاتصلت بك...

ـ أستغفر الله! ببيتني...

تظاهر بأنه لم يسمع...

ـ لا بد من اجتماع عاجل...

ـ لنجتمع في مقر الحزب...

ـ قبل الإفطار، أم بعده؟

ـ بعد الإفطار بعد الإفطار.. هل سمعتني؟

ـ نعم.. اتصل بمحمد!

ـ بل اتصل أنت به، لدي مشاغل. انقطع الخط...

فكر جميل.. ترى لمن يجمع كل هذا المال! يضن علينا بإفطار من مال المؤسسة! اللهم اجعله فريسة سهلة للمفتشية، ومحكمة الحسابات، وشرطة الجرائم الاقتصادية.. اللهم اجعله قرين

مدير الصفقات، في الحياة وبعد الممات...

فكر.. الاتصال بمحمد لا يجوز.. سأرسل له رسالة قصيرة.. لن يفتحها، سيعدها من رسائل موريتل.. لا حول ولا قوة إلا بالله.. اللهم اغفر لنا هذا التبذير، واخلفنا بدل الدقيقة ساعة...

ـ الرحيل، الرحيل، لا تفاوض، لا حوار...

ـ آلو...

ـ السلام عليكم، الريزو رديء.. اجتماع الليلة في التكتل، لبحث مصيبة...

قاطعه...

ـ قبل الإفطار، أم بعده؟

ـ ما لك وللإفطار! العاشرة.

انقطع الخط..

فكر محمد... ثمان ثوان فقط! ينبغي أن تدخل هذه المكالمة كتاب غينس للأرقام القياسية... ويكرر دائما.."لنبق على تواصل"!!! لا بد أن صالح حول له 500 أوقية فهو يبتزه دائما...

أخذ الجميع أماكنهم.. بدا الجو مشحونا.. ساد صمت ثقيل.. تنحنح أحمد..

ـ علينا أن ننهي الأمور بسرعة، لدي اجتماع عاجل...

دخل شباب يحملون قناني مياه معدنية..

قال جميل..

ـ هذه مساهمة من شباب تواصل، ضمن الأنشطة الخيرية للحزب في هذا الشهر الكريم الذي أمرنا بالإنفاق فيه...

قال محمد، متهكما..

ـ هذه مياه آفطوط الساحل؟

رد جميل، بحدة..

ـ لم تصلنا بعد...

قال مستشار أحمد، الذي يفكر في الانشقاق...

ـ ذلك يعود إلى أنكم لستم على الطريق...

صاح نائب جميل..

ـ الطريق لم يصلنا، هو الآخر...

رفع محمد صوته..

ـ هذه المرة، سأقترح آية نصدر بها البيان.

اعتدل في جلسته..

ـ وأنا قادم إليكم سمعت إماما، في صلاة الترواح...

قاطعه جميل بحدة...

ـ صلاة التراويح.. عهدك بعيد بالترواح.. ثم ضحك ضحكة خفيفة.

رد محمد، وهو يتصنع الهدوء، دون أن ينظر إليه..

ـ لا خير فيه، إذا كان يتم في السر، وفي الشقق المفروشة...

سرت ضحكات مكتومة، غير أن مستشار أحمد الذي يفكر في الانشقاق لم يستطع كتم ضحكته، فقهقه عاليا، فانفجر الآخرون...

أراد أحمد تهدئة القاعة، فاتجه إلى محمد..

ـ ما هي الآية التي سمعتها؟

عاد محمد إلى وقاره المصطنع...

ـ آية تنطبق تماما على الحالة التي نحن فيها.. سمعته يقرأ "إذا وقعت الواقعة..." لم أحفظ بقيتها، لكننا سنجدها في غوغل...

ـ بل في صدورنا، صاح مستشار جميل...

قال جميل، بصوت درامي..

ـ ما حدث يوم السبت إعلان حرب، لا يناسبه من القرآن سوى الأنفال وبراءة... أنا أقترح سورة براءة كاملة، وإعلان الجهاد، والنفير العام...

قاطعه أحمد، متهكما..

ـ لاحظ سيادة الرئيس أننا لسنا في ميدان رابعة، وقد سئمنا ساحة ابن عباس...

قال نائب جميل، متهكما...

ـ لا تثريب عليك، فأنت من أصحاب الأعذار...

تدخل محمد لفك الاشتباك..

ـ لنستعرض خريطة الأحزاب حتى نعرف التي ستشارك، والتي ستقاطع...

قال جميل..

ـ لن يقاطع سوى حزب "راك"...

قال محمد..

ـ وحزب "حاتم"...

وجه جميل كلامه إلى محمد..

ـ يا أخي.. حاتم، وعادل، والصواب، والفضيلة، والاشتراكي، والتقدمي...إن هي إلا أسماء رخصت لها الداخلية، ما أنزل الله بها من سلطان... تدخل أحمد..

ـ هل سيشارك حزب الزيبر؟

تساءل جميل..

ـ حزب إيه؟

همس مستشاره في أذنه..

ـ حزب حمار الوحش.

تساءل، مستغربا..

ـ هذا حزب جديد؟ لم أسمع به من قبل...

قال محمد ببرود..

ـ الرئيس يقصد حزب التحالف الشعبي.

انتفض جميل، توجه إلى أحمد، وقال ببلاهة..

ـ لماذا تطلق عليه هذا الاسم؟ أنا لا أقبل ذلك. مسعود ليس حمارا، وحزبه ليس.. ليس كما قلت.

قال محمد (وهو يلحن اسم جميل، بجيم مصرية)..

ـ يا جميل! الرئيس يقصد تداخل اللونين في الحزب؛ حركة الحر، والناصريين...

ـ كان يمكن أن يقول ذلك بوضوح...

توجه إلى أحمد..

ـ كن واضحا، ولو مرة واحدة يا سيادة الرئيس...

أفلح أحمد في استدعاء ابتسامة باهتة...

ـ سأكون واضحا هذه المرة، يا جميل! (بجيم مصرية).. سنقاطع الانتخابات...

قاطعه مستشاره الذي يفكر في الانشقاق..

ـ هيئات الحزب لم تتخذ قرارا بعد.

خيم صمت ثقيل. بدا أحمد محرجا، وهو ينظر إلى سقف الغرفة..همس نائبه في أذنه..

ـ على كل حال هذا هو التوجه العام لهيئات الحزب.

أراد جميل إخراج أحمد من الحرج..

ـ لدي خطة..

انتبه الجميع..

ـ نشارك، ونقاطع في نفس الوقت...

قال محمد، مستفسرا..

ـ كيف!

ـ نشارك في مناطق نفوذنا، ونقاطع مناطق نفوذهم...

سأل أحمد بمكر..

ـ ما هي مناطق نفوذك التي ستشارك فيها؟

تصامم جميل، ثم استمر يقول..

ـ بهذه الطريقة، لا نبدد جهودنا، ونضمن الحفاظ على تمثيلنا، ونبتكر موقفا سياسيا جديدا اسمه "المقاطعة الجزئية للانتخابات"... قال محمد، مترددا..

ـ فكرة لا بأس بها...

أردف أحمد، بحدة..

ـ بشرط أن نعرف مناطق نفوذه التي سيشارك فيها. قال جميل، ممتعضا..

ـ ستعرفونها، حين تقدم الترشيحات، أما الآن فلا بد أن تبقى سرا، مثل الدعوة إلى التسجيل على اللوائح.. المهم أن نعلن هذا الحل لمناضلينا الذين يريدون المشاركة، في غالبيتهم... قال أحمد، بصوت هاديء..

ـ أنا أرفض هذا الاقتراح ما لم أعرف مناطق نفوذك المزعوم...

اتجه جميل إلى محمد..

ـ وأنت ماذا تقول؟

قال محمد بصوت محايد..

ـ الاقتراح يحتاج إلى دراسة قد تطول..

انفجر جميل..

ـ أنتما تتآمران علي.. اتفقتما سرا على المشاركة.. وجهان لعملة واحدة.. لا تنسيق بعد اليوم.. لكل وجهة هو موليها.. تعتقدون أن انقلاب مصر أضعفنا.. أنتم مخطئون.. لطالما نجحنا في التصدي للانقلابات...

قاطعه مستشار أحمد الذي يفكر في الانشقاق..

ـ ولطالما فشلتم في التخطيط لها..

تجاهله جميل، واستمر في غضب متصاعد..

ـ ترددكم أفشل "الرحيل"، وتقاعسكم أذبل الربيع..

نهض، منسحبا من القاعة..

ـ أقسم بالله العظيم أنني لن أتصل بكم أبدا..

قال أحمد ومحمد، في نفس الوقت..

ـ أستغفر الله!

ـ ببينا، كالعادة...

طه محمد