قضية بوعماتو: هل تلحق جنسية بوعماتو الفرنسية الضرر بكلود گيانه وآلينه جواندي؟
السبت, 18 مايو 2013 02:15

altaltيعرف الجميع الممثل الفرنسي جيرار دوبارديو الذي حصل على الجنسية الروسية للهروب من زيادة الضرائب التي قررتها بلاده. ومن المفارقات، بالنسبة لنا نحن، أن رجل الأعمال الموريتاني محمد بوعماتو ربما يكون قد حصل على

الجنسية الفرنسية، حسب ما يبدو، بواسطة كاتب الدولة السابق المكلف بالتعاون آلينه جواندي في عهد ساركوزي والأمين العام السابق للأليزيه ثم وزير الداخلية خلال رئاسة ساركوزي، السيد كلود گيانه.

فهل كان دافع بوعماتو هو الهروب عن ضرائب وعدالة بلاده؟ إن شروط منح الجنسية الفرنسية إلى الرئيس السابق لأرباب العمل الموريتانيين من قبل شخصين من حاشية ساركوزي متورطين كليهما في قضايا إساءة استعمال السلطة وغسل الأموال بدأ يثير بعض التساؤلات من قبل السلطات الاشتراكية، سيما أن الأمر يتعلق بتجنيس استثنائي منح مقابل "الخدمات المقدمة إلى فرنسا". وخلال التفتيش الأخير لمنزل كلود گيانه، اكتشف المحققون تحويل مبلغ قدره 500.000 يورو إلى حسابه المصرفي بالإضافة إلى مصاريف  مدفوعة نقدا تتجاوز 25.000 يورو ولم يستطع الوزير السابق تبرير هذين المبلغين. وفي اليوم الثاني من شهر مايو الجاري، أعلنت الحكومة الفرنسية  فتح تحقيق لتحديد مصدر الأموال التي استلمها كلود گيانه ويبدو أن ليبيا القذافي لا تشكل في الواقع المسار الوحيد الذي يتبعه المحققون، حيث يتعين عليهم النظر في شروط منح الجنسية الفرنسية للسيد بوعماتو.

ما هي إذن الخدمات التي قدمها بوعماتو لفرنسا ساركوزي ليمنحه هذا الأخير الجنسية بتلك الدرجة من  السرعة والسهولة؟ ليست بالتأكيد عشرات الملايين من اليورو التي تطالب بها كوفاس بنك موريتانيا العام منذ عقد من الزمن. ولا تشكل بطبيعة الحال نتيجة للتقارير التي تلقتها المخابرات الفرنسية من إدارة شركة توتال التي نشب بينها نزاع طويل مع بوعماتو الذي وصفه شركاؤه البلجيكيون السابقون في بنك بلگوليز بأنه "شخص صعب المعاشرة" بعد هروب جريء إلى فرنسا من قبل مارك دومبر المدير التنفيذي السابق لبنك موريتانيا العام بعد تعرضه لتهديدات عملاء بوعماتو.

ما ذا وراء هذا التجنيس الممنوح على عجل إلى شخص غير مقيم في فرنسا رغم امتلاكه فيلا على رصيف گرينيل ويقطن منذ عام 2010 في مراكش. كما أن اختيار المغرب "مخبأ" غريب تماما لأن بوعماتو لم يستثمر فلسا واحدا في هذا البلد الذي فضل عليه لأكثر من 15 سنة الجزائر وتونس. وعلاوة على ذلك، لولا سقوط نظام زين العابدين بن علي، بما في ذلك أفراد من عائلة الطرابلسي شركاء بوعماتو، لظل هذا الأخير حتى الآن في تونس لتطوير شركة طيرانه التونسية الموريتانية وإعادة أرباح أسهم الشركة التونسية الموريتانية للاتصالات اللاسلكية ماتال.

ومع ذلك، ألا يكون هذا المنفى المغربي الذي يريد إعطاء مظهر من السخط السياسي على النظام الذي دعمه بوعماتو مجرد  منفى ضريبي  مثل منفى جيرار دوبارديو ؟ فقبل وصوله إلى الرباط، أقام بوعماتو في منتجع سياحي تونسي بالحمامات، قرب  الإخوة الطرابلسي.

لا يعلم إلا القليل من الناس الخفايا الحقيقية للتصحيح الضريبي الذي تعرضت له مجموعة ولد بوعماتو ومشاكل بنك موريتانيا العام الذي هو رئيسه المدير العام، وهي مواضيع تناولتها الصحافة كثيرا خلال الآونة الأخيرة في موريتانيا، لكن القضية نفسها مليئة بالدروس:

فالحقيقة أن الرئيس السابق لأرباب العمل الموريتانيين مدين بجميع ثروته داخل البلاد وخارجها للدولة الموريتانية وذلك بفضل نظام ولد الطايع (الذي يعيش الآن حاليا في المنفى في قطر) وللدولة التونسية بفضل نظام بن علي (حكم عليه بالإعدام غيابيا وفر إلى المملكة العربية السعودية) وللسنغال من خلال علاقاته مع كريم واد (المسجون حاليا بسبب الإثراء غير الشرعي). ولذا فمن الطبيعي أن لا تبقى إمبراطورية بوعماتو (الهارب حاليا إلى المغرب) على قيد الحياة بعد  انهيار هذه الأنظمة واحدا تلو الآخر وعقب المشاكل القضائية التي يواجهها أصدقاؤه الساركوزيون القدامى.

يعرف جميع الموريتانيين أنه خلال 20 سنة من نظام ولد الطايع، استولى محمد بوعماتو على الاقتصاد الموريتاني من خلال المعاملة التفضيلية والامتيازات غير المستحقة التي حظاه بها ذلك النظام. وهكذا، انتقل هذا المعلم في المدرسة الابتدائية إلى تجارة الحلوى في شركة (COGITREM) وأصبح مالكا لرخص الصيد ثم صاحب رخصة لبيع وتهريب السجائر (مارلبورو) ولإنتاج الأسمنت (مجموعة بوعماتو للإسمنت) وتوزيع الغاز (مجموعة بوعماتو للغاز) ومصرف ابتدائي (بنك موريتانيا العام) وشركة تأمين (AGM)وشبكة هاتف خلوي (ماتال) وشركة طيران (موريتانيا للطيران) الخ.

طبعا فاوض ولد الطايع بشكل جيد حول دعمه الذي بدونه ما كان بوعماتو ليكدس ثروة تبلغ عشرات المليارات من الأوقية وكانت الصفقة بسيطة وسرعان ما علمها الجميع في موريتانيا: سيكون أحمد ولد الطايع، شقيق الرئيس معاوية، شريكا في أعمال بوعماتو بنسبة الثلث بدءا بأكثرها ربحا وهي بنك موريتانيا العام الذي تم الحصول عليه بفضل ولد الطايع الذي أمر محافظ البنك المركزي بإعداد ملفه مع بنك بلگوليز.  ويتمثل الجزء الثاني من الاتفاق مع معاوية في الدعم المالي من قبل ولد بوعماتو للحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي في الحملات السياسية لولد الطايع. وقد دفع بوعماتو قربه من أسرة أهل الطايع إلى بناء مدرسة في قرية آدرار التي تحمل اسمهم (عين أهل الطايع). ولا بد لهذه الرابطة مع أحمد الطايع والتي تشمل العديد من القطاعات بما في ذلك السجائر أن تنتهي مع سقوط نظام معاوية في عام 2005. وفي موقف غير مشرف جدا في بلادنا، سارع ولد بوعماتو إلى التخلي عن أهل الطايع وأعلن تأييده لانقلاب المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية وأنهى شراكته التجارية مع أحمد الطايع.

من الواضح إذن أن تحالفات بوعماتو تقوم وتنتهي على إيقاع مصالحه المالية الآنية. هكذا نشب أول خلاف بين بوعماتو واعلي ولد محمد فال بسبب رخصة شنقيتل التي من شأنها أن تنافس شركة ماتال، مما تسبب في منفاه الأول لمدة ثمانية أشهر في تونس (كانت ليلى الطرابلسي وقتها تحكم تونس).  ونتج خلافه مع الوزير الأول السابق الزين ولد زيدان عن الاعتمادات التي  منحها البنك المركزي الموريتاني لمنافسيه الجدد في السوق الموريتانية: بنك بي أن بي باريبا وبنك سوسيتيه جنرال. واليوم يشكل إنشاء الخطوط الجوية الموريتانية سبب غضبه، حيث كان يريد أن يتم دفع الأموال المستخدمة في إنشاء هذه الشركة الوطنية إلى الشركة التونسية البوعماتية لإعادة شراء أسهمه الخاصة (39%). كما أراد أن تمنح الدولة صفقة بناء مطار انواكشوط الجديد لشركة البناء والأشغال العامة الجديدة التابعة لمجموعته.  والآن إذ ترفض الدولة الاشتراك معه وتطلب منه أن يدفع ضرائبه وليس أي من إخوة ولد عبد العزيز شريكا له في الأعمال، ها هو يصرخ بتعرضه للظلم. ورغم محاولته إغراء ولد عبد العزيز (دعم انقلاب 6 أغسطس 2008 وانتخابات يوليو 2009) و"العلاقة" القبلية، فلا يزال هذا الأخير لغزا بالنسبة لولد بوعماتو وصابونا مبللا ينزلق على الدوام بين يديه ويستحيل عليه تدجين ولد عبد العزيز كما فعل بولد الطايع.

وإذا كانت هذه القضية قد أثارت كثيرا من الجدل خلال الأشهر الثلاثة الماضية فإن ذلك أمر مفهوم تماما، لأنه على مر 20 عاما، تمكن بوعماتو مالك ملايين الدولارات من الوقت والوسائل الضرورية لإنشاء بلاط من الأتباع والمعاونين الذين يرغمهم الخوف من سلوكه الجدير بزعيم من زعماء المافيا إلى النزول إلى ميدان الدفاع عنه.

يبدو من المظاهر أن قضية بوعماتو مشكلة مفتعلة ما كان لها أبدا أن تتجاوز الإدارة العامة للضرائب والبنك المركزي، إلى تورطه في قضايا أخطر وأشنع ؟ هل ذهب بوعماتو إلى حد الإساءة إلى سمعة الرئيس عبد العزيز (قضية نويل مامير - قضية كمبا با) أو التعدي على السلامة الجسدية لرئيس الدولة (حادثة 13 أكتوبر 2012) أو تقويض الاستقرار الوطني (اتصالات مع ضباط سامين أثناء نقاهة الرئيس في فرنسا)؟ هذه أسئلة تطرحها الأوساط المطلعة في موريتانيا.

لذلك نفهم أن الملاذ الأخير لولد بوعماتو يكمن في استباق الأحداث من خلال تسييس القضية وتقديم نفسه ضحية لكفران نظام قدم له الدعم. واليوم، ها هو الذي رفض فتح أبواب مصرفه ينفذ الأوامر وها هو الذي أبى أن يدفع كفالة لإطلاق سراح معاونه يسددها بالتمام والكمال وتطلق شائعة بأن كل شيء ستتم تسويته بين الحكومة وبوعماتو الذي سيمد له السجاد الأحمر عند عودته إلى موريتانيا، ومن يعتقد ذلك يجهل محمد عبد العزيز تماما.

تتمثل إحدى الإيجابيات غير المتوقعة في هذه القضية بالنسبة لعبد العزيز في وضع حد للاتهامات القبلية التي غالبا ما تلصق به. وهو في الواقع أول رئيس في تاريخ موريتانيا يختصم مع "أبناء العم" ولاسيما الأقوياء منهم وخاصة اعلي ولد محمد فال وبوعماتو. وكان عبد العزيز قال مؤخرا لأحد أقاربه إنني في السعي إلى حماية موريتانيا "أحميها أيضا ضد العناصر الأكثر ضررا من قبيلتي."

أما الدرس الأخير من هذه القضية فهو أن موريتانيا تتوفر، لمرة واحدة، على رئيس يمتلك الشجاعة لإرسال إشارة قوية إلى رجال الأعمال ليقول لهم: لقد ولى عهد تعيين كبار رجال الأعمال للمدير العام للضرائب ومحافظ البنك المركزي الموريتاني. لقد انتهى الزمن الذي كانت فيه مصارف مثل بنك موريتانيا العام لا تحتاج إلى منح أي قرض للتسيير ولكنها تكتفي بشراء سندات الخزينة بفوائد باهظة نسبتها 11%، تلك السندات التي كانت تشترى بالسيولة المكدسة من خلال ودائع مؤسسات الدولة بفائدة 0%. لقد ذهبت بدون رجعة الأيام التي كانت الدولة والجيش يهانان فيهما من خلال التوجه إلى تجار حقيرين للحصول على سيارات النقل الخفيف والبنزين. لم تعد الخزانة الوطنية في حاجة، حيث حطمت رقمها القياسي التاريخي وتتوفر الآن  على أكثر من 90 مليار أوقية من السيولة. انتهت كذلك الأيام التي كانت فيها بعض البنوك مثل بلگوليز/ بنك موريتانيا العام تشكل أداة لهروب العملات بالتواطؤ مع محافظي البنك المركزي الموريتاني. وهل هو من قبيل الصدفة أن تبلغ احتياطيات البنك المركزي الموريتاني من العملات الأجنبية الآن مليار دولار؟ إنه إنجاز لم يسبق له مثيل في تاريخ موريتانيا.

يعرف أبناء بلدنا أن موريتانيا هي المصدر الأساسي لثروة رجال الأعمال مثل ولد بوعماتو الذي يشكرها اليوم بمنفاه في المغرب وجنسيته الفرنسية (خذ خيرها ولا تجعلها وطنا). ولكن  تتعين عليه الإجابة على الأسئلة التالية: بأية أموال يمول بوعماتو منفاه الذهبي؟ كيف حول الأموال لشراء القصور في الخارج؟ كيف حصل على العملات الصعبة للاشتراك مع أسرة الطرابلسي في تونس وفتح شركات في الخارج برأس المال النقدي؟ في أي ظروف وبأي وسيلة تواجد معظم ثروة بوعماتو في الخارج، رغم تكديسها في موريتانيا ؟ ما هو مقدار الضرر الذي ألحقه بوعماتو فعلا بالدولة الموريتانية ؟

سيدي أحمد الأمين

باريس- فرنسا

12-05-2013