الأبنية الاجتماعية أبنية قبلية أم أبنية شرائح؟ قراءة في أبنية مجتمع “البيظان”
الاثنين, 01 أبريل 2013 21:02

altaltإن النظام القبلي يبدو قديما قدم المجتمع الإنساني، إذ تعتبر أول أسرة أبوية “آدم و حواء” عليهما السلام ومن بعدهما أبو البشرية الثاني “نوح” عليه السلام امتدادا لأول عشيرة توسعت بتعدد أفرادها لتشكل النواة الأولى لما سيعرف في ما بعد باسم القبيلة[1]

القبيلة والتي تعرفها رأي سسيولوجي بأنها ( تجمع كبير أو صغير من الناس يستغلون إقليما معينا و يتحدثون اللغة نفسها وتجمعهم علاقات الاجتماعية خاصة متجانسة ثقافيا)[2] غدت من أبرز الأبنية لاجتماعية علي وجه المعمورة وأكثرها استمرارية حتى الآن، وهذا ما جعلنا على مستوى مجتمع “البيظان” نشاهد تمثلات بنائية من هذا النوع.

 

ودون الخوض في الجزئيات التفصيلية للسرد التاريخي سنتطرق إلي القبيلة “البيظانية” باعتبارها تركيبة اجتماعية يتعانق فيها التاريخ والجغرافيا، وتمتزج فيها الحقيقة بالأسطورة، وترتكز على منجز ثقافي صمم بنياتها، وصنف وحداتها، ورتب تصنيفها؛ استنادا على دوافع أوضحها الحاجة إلى التخصص الوظيفي ويبقى للتأويل ما تبقى.

 

لقد درجت عادة المؤرخين والسسيولوجيين على تصنيف القبائل “اليظانية” إلي مجموعتين كبيرتين حسب القوة والنفوذ هما :

 

1) مجموعة قبائل حسان: و“حسان” مفهوم توصيفي يترادف مع مفهمي “لعرب” و”لمغافرة” وهي مفاهيم علم علي قبائل “أروستقراطية” تحتكر السلطة السياسية وتتحدد وظيفة أفرادها في (اقتناء السلاح ومداومة الكفاح وامتلاك الرقاب،أموالهم سلاحهم وحصونهم ظهور خيولهم عيشهم الصيد وما يأخذونه من المغرم أو ما ينهبونه من الأعداء، وما عدى ذلك فهو عيب عندهم من تجارة أو حرث أو اقتناء ماشية) على رأي ابن حامدون .[3]

 

2) مجموعة قبائل الزوايا: و”الزوايا”مفهوم توصيفي أيضا يترادف مع مفهم “الطلبه” يدل على القبائل ا”لأروستقراطية” المثقفة المنحدر أقلبها من أصول “صنهاجية” وهي تحتكر السلطة الدينية كرأسمال معنوي تعويضا عن هزيمة  تحالفها في حرب “شر ببه“ ونقرأ  لصاحب “الوسيط في تراجم أدباء شنقيط“: أن الزوايا [تاريخيا] (…لا يوجد من بينهم ذكر أو أنثى إلا يقرأ ويكتب وإن وجد في قبيلة غير ذلك فإنه نادر…).[4]

 

وهنا نسجل حيال هذا التصنيف المآخذ التالية على المؤرخين والسسيولوجيين :

 

    أنهم لم يتحدثوا عن مجموعة قبائل الشرفاء”الشرفه” التي تنتسب لآل البيت حقيقة أو خرافة كمجموعة قبلية قائمة بذاتها رغم معرفتهم المسبقة بمكانتها ا”لتكريمية” في الذاكرة الجمعية ما أهلها لأن تتربع علي عرش مملكة المجتمع رغم محدودية دورها الروحي والسياسي مقارنة بمجموعتي الزوايا وحسان.

    · المأخذ نفسه نسجله عليهم تجاه غضهم الطرف عن مجموعة قبائل “آزناكه” أو “اللحمة”: (وهم  الغارمون ومن بينهم فلول المجموعات المهزومة التي أنهكتها الحروب فتم إخضاعها من طرف المجموعة الأقوى؛وتتلخص وظيفتها الاجتماعية في تنمية الحيوانات وتقديم الغرامات التي أصبحت طوعية للفئات الأخرى “حسان والزوايا” {….} مقابل الحماية الأمنية والروحية ويسمى التابع منهم لحسان ب “الأصحاب” بينما يسمى التابع منهم لزوايا ب “التلاميد.”)[5]

    أن هذه التراتبية التقسيمية لا تستقيم من وجهين اثنين:

 

أ – إذا كانت السلطة السياسية توجه من طرف الأطر المرجعية الدينية فهذا يعني أنها أحط     مكانة من حيث التموقع في سلم الأبنية النسقية للمجتمع.

 

ب – يعد الزواج معيارا للمكانة الاجتماعية وهو ما يسمح لنا أن نقول: إنه مادام هناك جدار سميك من قوانين ومواثيق الشرف العرفية يحول دون زواج “الحسانى” من ربائب “الزاوي” مع إمكانية العكس فإن ذلك دليل قاطع على علو مكانة “الزاوي” بالمقاييس الاجتماعية ؛ مع أفرارنا بنسبية هذا المعيار.

 

إننا نقدم هذه القراءة بهدف التعرف على المعطى الدلالي للتراتبية الهرمية في الأبنية الاجتماعية ، وها هي تفصح لنا عن بنية جعل الكتاب عاليها سافلها بل اجتزؤا منها الشطر عن قصد أو عن غير قصد والقصد أظهر. فأصبح لزاما علينا إعادة ترتيبها واستنطاق تموقعاتها المتداخلة كمفاهيم تتبدى فيها معالم القبيلة من خلال انعكاسها على مرايا الشرائح المتعددة، حسب ما أمدنا به الفهم الجديد لهذه الأبنية:

 

    1. مجموعة قبائل “الشرفه”:بحكم منزلتها التكريمية في الذاكرة الجمعية للمجتمع.

    2. مجموعة قبائل الزوايا: لاستقطابها خطاب الأيديولجيا الروحية.

    3. مجموعة قبائل حسان: لاعتمادها الركاب والحراب شيمة بها تعرف. 

    4. مجموعة قبائل “آزناكه” أو “اللحمة”: لانشطارها تبعية وخضوعا بين قطبي “الزوايا” و”حسان“.

 

بهذا المعنى المستنبط من القراءة التحليلية يتبدى لنا الفهم السائد في شكل خطاب يكرس رؤية ترى القبيلة “البيظانية” كإطار بنيوي يحمل في نواته التكونية – وحتى في مراحله العمرية المختلفة – حقيقة مؤداها أن القبيلة هي السلك الناظم لأكثر من شريحة اجتماعية والتي نرى أنها – أي الشريحة الاجتماعية – { تصنيف مركب من عدة أبعاد ثقافية ومهنية وجغرافية… ذات خصوصية متغيرة}.وهو تعريف صغناه اعتمادا على الواقع المعيش وبعض المطالعت في الكتابات المهتمة بالموضوع والتي من بينها كتاب المواضيع الاجتماعية لمؤلفه عبد الله خمّار[6]

 

هذا الفهم السائد تتكشف اختلالاته عندما تتقابل المفاهيم والدلالات خاصة حينما تزدوج مصطلحات : الشرفه والزوايا وحسان وآزناكه كمفاهيم تدل على الشريحة الاجتماعية دلالتها على القبيلة ؛ في الوقت الذي تندمج شرائح أخرى في الدلالة القبلية مع نحت مصطلحات دالة عليها كشرائح اجتماعية دون أن يكون لمفهوم القبيلة من تلك الدلالات أي نصيب. وسنورد التشكلة الشرائحية محتسبين للمكانة الاجتماعية قيمتها حيث تنقسم هذه الشرائح في الذهنية المجتمعية إلى:

 

    Ø المجموعة لأروستقراطية : وهي مجموعة متنفذة تحتكر المال والجاه والسلطة السياسية والروحية وتشاكل في دلالة التسمية بين مفهومي القبيلة والشريحة الاجتماعية وتبلغ في العد ثلاث، نستعرضها دون أن نعرف بها  تجنبا للتكرار فعد إلي القبيلة تلقى لها تقديما يطابق الشريحة مطابقته للقبيلة ؛ والشرائح الاجتماعية هي :

    o شريحة “الشرفه”

    o شريحة “الزوايا”

    o شريحة “حسان”

    Ø المجموعة الخاضعة : “تعرف هذه الفئات بأنها تلك التي لا تحمل سلاحا ولا ألواحا ولم تتخذ الركاب أداة ولا الكتاب شيمة بها تتعرف”[7] وتتكون هذه المجموعة من خمس فئات اجتماعية هي:

    o شريحة “آزناكه” أو “اللحمة” : وهي الشريحة الخاضعة الوحيدة التي تزاوج في دلالة التسمية بين مفهومي القبيلة والشريحة على غرار قبائل أو شرائح المجموعة الأروستقراطية ، وقد تقدم الكلام عنها في معرض حديثنا عن المجموعات القبلية.

    o شريحة المطربون أو “إيكاون” : و “هم ناس يقال إن أصلهم قيون”[8] كما خلدت الأسطورة الشعبية ، وهي فئة اجتماعية  تبنت الإنتاج الفني الموسيقى وظيفة اجتماعية ؛ وكانت بمثابة الوسيلة الإعلامية أو الذاكر الحافظة للأحداث السياسية والوقائع الاجتماعية ، ولهذا فهم أكثر ارتباطا بالأروستقراطية “الحسانية” منهم بأروستقراطية “الزوايا” لتناقض مشاغلهما.

    o شريحة الصناع أو “لمعلمين” : وهي الفئة الاجتماعية القائمة وظيفيا بمهمة الصناعة الحرفية مما  تتطلبه الحياة البدوية. وهم مرتبطون بكل الشرائح الاجتماعية الموجودة لمحورية دورهم الإنتاجي رغم ما يطلعنا عليه صاحب الوسيط من أن “حسان”: “يظلمون هذا الجنس ويأخذون عليه المكس ولم تفرده بالذكر لقلته؛ والناس يزعمون أن أصلهم يهود ثم أسلموا ودينهم ضعيف جدا؛ والناس ينسبون إليهم الكذب والشره ولا يناكحونهم”[9]

 

إن ما أورده صاحب الوسيط عن نسب كل من “إكاون” و ” لمعلمين” يعبر عن عقلية شعبوية خرافية لا تصمد أمام الحقائق التاريخية والعلمية التي تفيد بأن التقسيم الوظيفي هو السبب الوحيد في انضواء أي شريحة اجتماعية تحت اسم واحد كوحدة متجانسة رغم انحدار أفرادها من أصول عربية وبربرية و زنجية مختلفة. أما الصورة النمطية عن شرحة “لمعلمين” فهي صورة تضافرت عوامل اجتماعية عديدة عملت على تجذيرها كحقيقة واقعية رعم أن الأدلة الشرعية والعلمية وحتى المنطقية تنكرها .

 

    o شريحة “لحراطين” : “وهم الذين كانوا عبيدا ….وتم تحريرهم من قبل أسيادهم ويشتغلون في الفلاحة و التنمية ؛ وينتمون بولائهم العصبي إلى العشيرة التي ينتمي إليها أسيادهم السابقون؛ ويتسمون بأسماءهم؛ ويضعون سماتهم ويحملون شعاراتهم وألقابهم…”[10]

    o شريحة “العبيد” : “وهم الأرقاء الخلص وقد كانت تستغلهم مختلف الفئات الاجتماعية وذلك لأسباب عديدة لعل من أبرزها ازدهار تجارة الرقيق في اقتصاديات الصحراء”[11]

 

“تلك هي البنية الهرمية للمجتمع {….} كما ارتسمت في حقبة التأسيس والتأصيل”[12] وهي بنية أبرز إشكالاتها الوحدة في التسمية والازدواجية في الدلالة والتي فرضت على  القبيلة “البيظانية” خيارين لا ثالث لهما :

 

    أن تتبلور ككيان بنيوي متجردة بذلك من “شرائحيتها” لتنبني على أسس جمعوية مستقلة بذاتها ؛ لا صلة لها بالاسمية المستمدة من الأسرة والفئة والمكانة الاجتماعية . بل ولتنحت لنفسها اسما لا تشاركها فيه أي شريحة اجتماعية أخرى دالا عليها دلالة الاسم على المسمى.

    أن تتخلى عن نفسها في ظل وجود مفهوم جامع يدل دلالة معينة على فئة “شريحة اجتماعية “ تتموقع في رتبة لها دلالتها الرمزية في سلم المكانات الاجتماعية ومتفاعلة تفاعلا مباشرا مع بقية الشرائح التي ينادى عليها بهذا المفهوم كصفة ملازمة؛ أكثر مما ينادى عليها باسم القبيلة التي ليست في الحقيقة إلا أسرة كبيرة أو صغيرة استطاعت أن تستقطب أخلاط الناس عبر فترة زمنية معينة لتتسمى بهذا الاسم الوحدوي ومن ثم تتجزأ داخليا إلى مكانات متسلسلة هرميا تتربع هي على قمته مضفية بذلك على بقية المكون البشري ألقابا مكانية مخصوصة.

 

ويتعزز رأينا هذا أكثر حينما نعلم أنه عندما استقطبت القبيلة “القبيلة الشرائحية” الفئات الأخرى “الشرائح الاجتماعية” فإنها بذلك فرقتها شيعا؛ وهنا يأتي دور التراتبية الفئوية “الشرائحية” ليكشف النقاب عن ما كان المفهوم القبلي يغطيه من اختلالات بنيوية أبرزها مناداة تلك الشرائح على نفسها مقابل شرائح تتسمى باسم القبيلة من جهة وتتنفذ فيها من جهة أخرى؛ بل وتختزلها في مفهومها الفئوي “الشرائحي” الضيق حتى أنه ليصدق عليها المثل الشعبي السائر: { الفرع ألل أكبر من وادو} لتسحب البساط بذلك من تحت الشرائح المنضوية تحت كيانها بعد أن تفرق جمع الأخيرة بين أكثر القبائل “الشرائحية” استقطابا وأنداها خطابا وأقساها عذابا.

 

ويتضح من هذا ومما سبقه أن القبيلة البيظانية بهذا المنطق ومن هذا المنظور تبدو مجرد مجموعة بشرية مجزأة إلى أقسام شتى بألقاب مختلفة تعبر عن دلالة واحدة هي الشريحة الاجتماعية ؛ مما أعطى الأخيرة وإن كانت أحدث ميلادا زخما تأثيريا يمنحها القدرة على توسيع قاعدتها كمفهوم يترسخ في الذاكرة الجمعية على حساب مفهوم القبيلة التي لا تعدو جزء بسيطا من أجزاء الشريحة الاجتماعية الكبرى.

 

ويمكن أن نسمح لأنفسنا بوضع قاعدة استنتاجية عن القبيلة “البيظانية” تفيد بأن: {كل مكون قبائلي في مجمله هو شريحة اجتماعية وليست كل شريحة اجتماعية بأحاديتها هي مكون قبائلي بالضرورة} والقاعدة نفسها تدفعنا إلى الاعتراف بأن استقلالية الاسم وتبعية الكيان هي خاصية من أخص خصائص القبيلة “البيظانية”.     

 

مراجع الاستئناس:

 

    بن الأمين الشنقيطي [أحمد]. الوسيط في تراجم أدباء شنقيط، ط1 .1339هـ

    أ. ولد محمد الهادي [إسلم]. موريتانيا عبر العصور،مطبعة الأطلس

    د. بوطالب [محمد نجيب]. سسيولوجيا القبيلة في المجتمع المغاربي، سلسلة أطروحات الدكتوراه (41) مركز دراسات الوحدة ؛بيروت.ط1 ــ2002م

    د. ولد عبدي  [محمد] ،السياق والأنساق في الثقافة الموريتانية الشعر نموذجا.نينوى للدراسات والنشر والتوزيع؛دممشق،ط1 .2009م

    د. ولد سيد أب  [سيدي محمد] ، النظرية العامة للقانون الدستوري والأنظمة السياسية؛ شركة الطباعة والتمثيل التجاري. ط2،2008م

 

الرابط: http://www.khammar-abdellah.art.dz/lire/livres

/D%C3%A9finition%20De%20Th%20S.ht

بقلم: الشيخ محمد الأمين ولد أحمدو الملقب: الشيخ ولد المحجوب طالب جامعي تخصص علم الاجتماع

 

- أنظر د. سيدي محمد ولد سيد أب، النظرية العامة للقانون الدستوري والأنظمة السياسية؛ شركة الطباعة والتمثيل التجاري. ط2،2008م؛ص47 [1]

 

– د. محمد نجيب بوطالب. سسيولوجيا القبيلة في المجتمع المغاربي، سلسلة أطروحات الدكتوراه (41) مركز دراسات الوحدة ؛بيروت.ط1 ــ2002م ،ص55[2]

 

- أنظر د محمد ولد عبدي،السياق والأنساق في الثقافة الموريتانية الشعر نموذجا.نينوى للدراسات والنشر والتوزيع؛دممشق،ط1 .2009م ص47  [3]

 

- أحمد بن الأمين الشنقيطي. الوسيط في تراجم أدباء شنقيط، ط1 .1339هـ ص489 [4]

 

– أنظر: أ. إسلم ولد محمد الهادي. موريتانيا عبر العصور،مطبعة الأطلس ؛ ص154[5]

 

– د. محمد ولد عبدي . مرجع سابق، ص 50 [7]

 

– أحمد بن الأمين الشنقيطي. مرجع سابق، ص 489 [8]

 

–  المرجع نفسه، ص 495[9]

 

–  أ. إسلم ولد محمد الهادي. ، ؛ ص 154 – 155 [10]

 

– د. محمد ولد عبدي . مرجع سابق، ص 51   [11]

 

المرجع نفسه. ص 51  [12]

 

الشيخ محمد الأمين ولد أحمدو