الانتخابات النيابية والبلدية المقبلة: وثيقة المنسقية ..وسيناريوهات المستقبل
الاثنين, 25 مارس 2013 14:10

 

altaltما يزال المشهد السياسي الموريتاني يعيش ضبابية كبيرة على بعد ما يفترض أنه أشهر قليلة من موعد الانتخابات الذي حددته اللجنة المستقلة للانتخابات في بيان صادر عنها الشهر الماضي.

ورغم ذلك فإن الساحة السياسية الوطنية مازالت المواقف فيها مختلطة وغير واضحة المعالم لدى معظم الاطراف السياسية باستثناء "منسقية المعارضة" التي أصدرت وثيقة الاسبوع الماضي ضمنتها موقفها النهائي وشروطها للمشاركة في الاستحقاقات المقبلة.

في المعسكر الأهم "النظام" لم تصدر مواقف رسمية حتى الآن وهو ماجعل بعض المراقبين يعتبر ذلك في حد ذاته موقفا من النظام على شروط المنسقية تلك باعتبار أن عدم الرد عليها يعني أن النظام لا يولي موقف المنسقية أهمية تذكر ما دام "يغرد خارج السرب" حسب رأيه.

المواطن الموريتاني مازال حائرا بين الموقفين المتناقضين" موقف اللجنة المستقلة للانتخابات التي تصر على اجراء الانتخابات منتصف شهري سبتمبر واكتوبر المقبلين،وموقف منسقية المعارضة التي تفضل المقاطعة ما لم تستجب الحكومة للشروط التي وضعتها.

التقرير التالي يقدم قراءة لوثيقة منسقية المعارضة والسيناريوهات المحتملة أمام الاستحقاقات المقبلة

 

وثيقة المنسقية...مزيد من الشروط الصعبة

اتهمت منسقية المعارضة في بداية وثيقتها الرئيس عزيز بما سمته"انتزاع موعد الاقتراع البلدي والنيابي من اللجنة المستقلة للانتخابات قبل أن تتوفر ما تصفه المنسقية بشروط الإجماع الوطني السياسي اللازم، ودون اكتراث بعدم اكتمال ظروف التحضير المادية للعملية الانتخابية.

ورغم أن المنسقية كانت خلال المراحل الماضية تضع شروطا من قبيل تشكيل لجنة مشتركة مستقلة للانتخابات وإبعاد وزارة الداخلية عن كل ماله علاقة بالانتخابات وتشكيل حكومة وحدة وطنية موسعة،إلا أن سقف شروط المنسقية ارتفع كثيرا في الوثيقة الأخيرة حيث طالبت ب"رحيل" النظام وما سمته لزوم الدولة للحياد، وعدم استخدام وسائلها ونفوذ سلطانها لصالح أي من الأطراف.

كما طالبت المنسقية هذه المرة بتغيير كل من رئيس المدير العام لحالة المدية ومدير السجل الانتخابي ورئيس المجلس الدستوري باعتبار هذه الهيئات الثلاث هي المعنية الأولى بنزاهة الانتخاب وما سمته بحياد وسائل الدولة وسلطان نفوذها ولعل موضوع حياد سلطان الدولة ونفوذها يبقى من أكثر الشروط صعوبة حيث أن تنظيم انتخابات لا تتأثر بنفوذ المال والسلطة العمومية في موريتانيا مستحيل وهو ما تؤكده جميع الاستحقاقات منذ دخول موريتانيا في ما يسمى "المسلسل الديمقراطي" الذي دعا له مؤتمر"لا بول" 1990.

وترى المنسقية طبقا للوثيقة أنه لا يمكن ابعاد نفوذ الدولة ووسائلها عن الانتخابات دون إعداد قانون جديد يتناول حياد الدولة في اللعبة السياسية و المنافسة الانتخابية والنأي بالا دارة عن تعاطي الشأن السياسي وتعيين المسؤولين على أساس الكفاءة وفصل الصفقات العمومية والتراخيص المختلفة والحياة العامة عن السياسة وإلغاء الولاء السياسي وتحديد السقف الأعلى المالي للمشاركة في ميزانية المرشح الواحد.وعدد مراكز الحملة الانتخابية على مستوى المقاطعة او الدائرة الانتخابية.

ولمزيد ضمان عدم استخدام النفوذ العسكري لصالح السلطة تدعو وثيقة المنسقية لإدلاء كل قائد من قواد أركان الجيش والدرك والحرس والشرطة وقوات الأمن الأخرى بتصريح علني يلتزم فيه بأن يبقى على مسافة واحدة من جميع الفرقاء السياسيين وتوحيد هيئات الجيش الوطني ودمج كتيبة الحرس الرئاسي في المؤسسة العسكرية بحيث يكون الجيش تابعا لقيادة موحدة كي يتبدد الرعب الذي يشعر به المدنيون والعسكريون على حد سواء إزاء هذه الكتيبة والعودة لتطبيع التصويت العسكري في الانتخابات.

ولضمان مزيد من الشفافية طالبت المنسقية بفتح وسائل العمومية على أساس قواعد توافقية ودائمة ومراجعة النصوص القانونية المتعلقة بالانتخابات بصورة توافقية وإشراك جميع الفاعلين في إعداد اللائحة الانتخابية مع احصاء 90% من السكان ونشر اللائحة الانتخابية 15 يوما قبل الاقتراع وتحديد تاريخ الاقتراع بالتوافق.

قراءة في مابين سطور الوثيقة

وفي قراءة متأنية للوثيقة يرى المراقبون أن أسباب وضع المنسقية لهذه الشروط يرجع لكونها ملت (في غالبتها من الأحزاب التي عاشت تجربة الانتخابات في عهد ولد الطايع وما بعده )من الانتخابات التي تصفها ب"الفلكلورية"،مؤكدة أن سببها هو غياب تحقيق النقاط التي جاءت في وثيقتها هذه.

ويعتقد قادة المنسقية أنه ما لم تبتعد وزارة الداخلية وإدارات الدولة الأخرى ويمنع استعمال النفوذ الوظيفي والمالي  فإنه حتى مع تحقيق الشروط الأخرى كتشكيل حكومة وحدة وطنية وتعديل لجنة الاشراف على الانتخابات وفتح وسائل الاعلام لن يضمن نزاهة الانتخابات لأن لاعبين آخرين يؤثرون فيها عبارة عن أجهزة الاشراف الآخرى من مكتب الحالة المدنية والسجل الانتخابي والمجلس الدستوري،ولذلك تصر المنسقية على ضرورة تحقيق كل هذه الشروط دفعة واحدة لكي توجد أرضية تضمن بحق نزاهة الانتخابات.

وقد تطرقت المنسقية إلى نقاط هامة أخرى كثيرا ما ألقت بظلال من الشك على نزاهة الاستحقاقات الانتخابية في موريتانيا منذ1991 وهي المتعلقة باستخدام المال لشراء الذمم "القبلية" واستخدام نفوذ الدولة ووسائلها على نطاق واسع.ذلك أنه لم يسبق في الانتخابات الماضية بصنوفها المختلفة ان خلت من الاستخدام الواضح للمال ونفوذ السلطة مما يجعل نتائجها شبه محسومة سلفا ويضر بمصداقيتها.

كما طالبت المنسقية بتحجيم دور المال في الحملات الانتخابية من خلال تحديد سقف أعلى للمشاركات المالية لصالح كل مترشح مع منع تعدد مكاتبه في الدائرة الانتخابية الواحدة لكي لا تكون المظاهر المادية هنا هي الأساس المرجح لكفة مرشح على حساب آخر.

وبالمقابل دعت لفتح وسائل الاعلام العمومية بصورة توافقية مع اشراك كل الاطراف في الاشراف على العملية الانتخابية بدءا من اعداد السجل الانتخابي واللائحة الانتخابية وحتى الاشراف على الانتخابات لتكون الانتخابات فعلا نزيهة باتفاق الجميع من ناحية وبإبعاد ما يطالها عادة من شبه التزوير بسبب استخدام المال والنفوذ ووسائل الدولة.

وتسوق المنسقية دليلا على أن وثيقتها ضرورية لأن عدم استجابة النظام وأغلبيته لمبادرة مسعود وهي أقل سقف بكثير من شروطها في الوثيقة يدل على أن "النظام يرفض أي حوار والخضوع لشروط الشفافية اللازمة للانتخابات المقبلة".واعتبرت في أكثر من مناسبة أنها "غير معنية" بما يصدر عن اللجنة المستقلة للانتخابات التي لم تكن طرفا في اختيار أعضائها.

المراقبون يرون أن المنسقية محقة في طلب كل الضمانات التي تراها مناسبة لنزاهة الانتخابات لأن من شأن دخولها دون تلك الضمانات ان يقلب عليها الطاولة فتخسر الانتخابات من ناحية وتبرر شرعيتها للطرف الثاني بالمشاركة فيها من ناحية أخرى.لكنها غير محقة في شرطها المتعلق ب"رحيل" الرئيس عزيز باعتبار أنه جاء بانتخابات هي طرف فيها،وقياسه على غيره من الزعماء الذين يطالبهم شعوبهم بالرحيل مع وجود الفوارق" في الزمن والشرعية وتوفر ظروف الحرية".

الاغلبية..المنسقية تبرر ضعفها بوضع الشروط

في الطرف المقابل وهو الأغلبية الرئاسية سجل ترحيب بتحديد موعد الانتخابات المقبلة، بل إن ثمة من قادتها من دعا أصلا لتعجيل الانتخابات عن ذلك الموعد،معتبرا أن الأغلبية جاهزة وتعتبر الشعب الموريتاني هو الفيصل في من يحكمه عبر صناديق الاقتراع في مثل هذه الانتخابات،وبالتالي فهي الوسيلة المثلى –بحسبها- للقضاء على أسباب ما تصفه المنسقية ب"الأزمة السياسية" في البلاد.

بيد أن الأغلبية ترى ان الشروط التي تضعها المنسقية قبل مشاركتها في الانتخابات هي شروط "تعجيزية" تغطي بها المنسقية على ما تسميه الأغلبية ب"ضعفها السياسي وانعدام شعبيتها لدى الرأي العام الوطني".

وتدلل على ذلك بما تقول إنه "تبرم" الشعب عن المنسقية حيث لم تحضر مهرجاناتها ومسيراتها ضد النظام أعداد شعبية توحي بتعاظم شعبيتها في الشارع،وتؤكد ايضا أن خطابها"عنفي ومفلس ولا يقنع أحدا",وتضيف الأغلبية"لوكانت المنسقية ذات مصداقية في الشارع لخرج الشارع معها عن بكرة ابيه ولما نهشتها الصراعات الداخلية ونزعت بعض أحزابها المرموقة والمعروفة بالعقلانية من طرف قادتها للدخول مع النظام في حوار وطني كانت نتائجه جد إيجابية وتم تطبيقها.

وتؤكد الأغلبية أن ما تم الاتفاق عليه من شروط النزاهة في الحوار الوطني في صيف 2011 بينها وأحزاب المعاهدة من اجل التغيير يفي بكل شروط النزاهة والحياد"تشكيل لجنة مستقلة للانتخابات نزيهة وبعيدة عن التأثير الرسمي والقبلي هي المسؤولة عن الانتخابات وحتى اعلان النتائج والاشراف الاداري البحت لوزارة الداخلية وتوفير المراقبين وفتح وسائل الاعلام الرسمية  أمام كل الأطراف السياسية ".

وتفند الأغلبية حجج المنسقية حول اللجنة المستقلة للانتخابات بأن المنسقية هي التي رفضت الحضور أصلا للحوار وأن تكون طرفا فيه وتملي شروطها وتمكن من المشاركة في اختيار اللجنة بسبب مقاطعتها التي لامبرر لها الا ببحث المنسقية عن "السلطة" كما ترى الأغلبية.

سيناريوهات محتملة..

يرى المراقبون أن هنالك سيناريوهين رئيسيين محتملين:

أولا: ان تمضي المنسقية لمقاطعة الانتخابات نهائيا وهنا ستكون نتائج الانتخابات المقبلة محل شك من حيث الفعالية والتمثيل الحقيقي لخيارات الناخبين خاصة مع وجود رأي يقول عن المنسقية تتزايد شعبيتها بسبب النقمة على الأوضاع المعيشية الصعبة في البلد.

ثانيا أن يجلس الطرفان على طاولة المفاوضات مجددا وينظرا في مصلحة البلد ويقدم كل منهما التنازلات التي تخدم المصلحة العامة ويمكن ذلك من تحضير مشترك للانتخابات وتسليم بمصداقية نتائجها بعد ذلك.

ويرى المراقبون حتى الآن ان الخيار الأول مازال سيد الموقف في ظل تباعد مواقف الطرفين يوما بعد آخر.