الدرب العربي ... عدنا .. والعود احمد
الخميس, 01 أكتوبر 2015 08:48

altaltعدنا.. والعود أحمد

تحية عطرة لمتابعي وقراء "نشرة الدرب العربي"، التي احتجبت عن الظهور في شهر سبتمبر لذهاب طاقمها  في استراحة مناضل؛ هو الآن يعود منها لاستئناف مسيرته النضالية وتواصله مع أبناء الأمة ومع المناضلين ، منهم بوجه خاص. 

أيها الإخوة، خلال الشهر التاسع، جرت أحداث كثيرة وكبيرة وطنية وقومية: وطنية تمثل أبرزها في تنظيم الحكومة الموريتانية لأيام تشاورية

حول الحوار السياسي بين النظام الحاكم والمنتدى الوطني للديموقراطية والوحدة الذي يقود المعارضة، والذي قاطع هذه الأيام باعتبارها من جانب واحد.

واما على المستوى القومي ، فأهم ما  جرى هو  انتفاض الشعب العراقي في محافظات الجنوب والوسط ، التي كان العملاء يعتبرونها حاضنة لعمالتهم لأمريكا، ولخيانتهم لوطنهم لصالح الفرس الإيرانيين. 

فلقد كانت عصابة العملاء الصفويين تتستر وراء "التمذهب الشيعي الزائف" لخداع جماهير الشعب العراقي من الطائفة الشيعية لتمرير مناكرهم وجرائمهم وفظاعاتهم ، حتى انتفض عليهم الشعب العراقي الواحد كالبركان الثائر يريد اجتثاث العملاء ، رموزا ودستورا وكل ما نتج عن المحتلين من قوانين وإجراءات ومؤسسات .

أما الحدث القومي الثاني في الأهمية والخطورة، فهو تدفق مئات الآلاف من المواطنين السوريين والعراقيين على أوروبا، هربا من جرائم عملاء إيران في سوريا والعراق، والذين قضوا على كل مصدر للحياة في هذين القطرين ، حتى بات المواطنون فيهما يفضلون الموت الجماعي في أعالي البحار والمحيطات ، ويتقبلون الإهانات، في المعسكرات المجرية المهينة للكرامة الانسانية، على الموت الجماعي تحت قصف الطائرات بالبراميل المتفجرة أو الموت بتقطيع الأمعاء لفرط الجوع والمرض.

لقد اتضح لمن كان  في قلبه شك أن النظام السوري يتحمل النصيب الأوفر والجرم الأكبر في ما لحق بالسوريين من مصائب . كما اتضح عمق الشراكة بين إيران الفارسية ونظام الأسد وحثالة العملاء الذين فرضتهم الولايات المتحدة على العراقيين لتحويل حياة هذين الشعبين العربيين إلى جحيم لا يطاق. وإذا كان الأسد يتحمل كبر ما أصاب السوريين بحربه عليهم من أجل سلطته، فإن أمريكا هي المسؤول الأول في الذي أصاب العراقيين من ويلات وبلاوي ؛ لأنها احتلت بلدهم وسرقت ثرواتهم وخربت اقتصادهم ونهبت ممتلكاتهم وحطمت حضارتهم وأتلفت تاريخهم ومزقت وحدتهم ، وعندما أجبرتها مقاومتهم التاريخية على الفرار، خلفت عليهم، في السلطة، أسوأ حثالة، "أفضل" ما فيها هو التنافس في الخسائس والدسائس، وكل أنشطة الدناءة والحقارة، وفضلا عن ذلك مرتبطة بأخبث جار وأحط نظير في الانسانية ( ملالي إيران ).. 

 

تهنئة

 

يسر طاقم "الدرب العربي" أن يزف أحر التهانئ وأطيب المشاعر إلى كل فرد من الشعب الموريتاني وإلى مناضلي حزب البعث العربي الاشتراكي الصابرين المصابرين ، وإلى كل قوى الأمة المقاومة حقا، المرابطة في ساحات النضال السياسي والثقافي والاعلامي  و في ميادين المنازلة العسكرية ضد الاحتلال في فلسطين والعراق والأحواز... ، بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك، الذي نتذكر فيه بكل إجلال وتعظيم شهيد الحج الأكبر، الرئيس القائد صدام حسين، الذي صعدت روحه الطاهرة في مثل هذه المناسبة ، من أجل الأمة، قبل تسع سنوات، مع كوكبة تاريخية من رفاقه في الجهاد الملحمي، الذي خاضه ويخوضه حزب البعث، ضد قوى الاستعمار الغربي – الفارسي، في مختلف ساحات الأمة ، وفي المهجر..

 

لماذا البعث.؟ (8).. وما معنى النضال في صفوف البعث؟

 

... ولكن لا يكفي أن ينتبه العربي إلى هذه المعاناة ويشعر بها ، بل لا بد له من أن يشعر بالمسؤولية تجاهها ؛ فكل فرد في الأمة ، ذكرا أو أنثى، صغيرا أو كبيرا، ينبغي أن يشعر بالمسؤولية تجاه الواقع الفاسد الذي تعيشه أمته ، لا لأنه ينتمي إليها بصفته ابنا من أبنائها فقط، بل لأن ما تعانيه الأمة ينعكس عليه أيضا ويؤثر في حياته الخاصة وفي كيفيات التمتع بحقوقه الانسانية والقيام بأعماله وواجباته.

والشعور بالمسؤولية لا يعني التألم بآلام الأمة والتحسر عليها ، كما يحدث حين نسمع عن كارثة حلت بشعب من الشعوب، بل يعني العمل على تغيير الواقع الذي تعانيه واقتلاع أسبابه من جذورها [ ...] غير أن العمل من أجل تغيير الواقع الفاسد الذي تعانيه الأمة لا يكون عملا إيجابيا مثمرا ما لم يكن عملا جماعيا منظما. فالعمل الفردي لا يستطيع أن يغير واقعا فاسدا لأمة بكاملها ، لأنه عمل جزئي ، محدود الفاعلية والتأثير ، سرعان ما يدفع الفرد اليأس والإحباط  ( إلى الكسل والاستسلام) حين يصطدم بأولى العقبات التي تواجه عمله ، ولأنه سيكتشف أن تغيير واقع فاسد أكبر من حدود امكانياته الفردية وقدراته الخاصة ، وعندئذ سيقوده اليأس إلى الشعور باللاجدوى [...] فالنضال في صفوف البعث ليس مثل الانتماء إلى جمعية خيرية أو ناد رياضي أو نقابة مهنية ( أو واجهة سياسية انتخابية أو مناورة إعلامية ) ، بل هو عمل من أجل أهداف كبرى وغايات أكثر سموا ونبلا: هي تحرير الأمة وتحقيق نهضتها الشاملة لتشارك مشاركة فعالة في بناء الحضارة الانسانية على أسس عادلة وسلمية.

وعمل جبار  كهذا ، لا يمكن أن يكون هواية أو عملا مزاجيا  كيفيا ن أو عملا مؤقتا طارئا ، بل هو عمل منظم طويل المدى يقوم على التضافر والاخلاص والأمانة والنزاهة والصبر. وعمل كهذا، يتطلب من كل منتم إلى الحزب أن يؤدي دورا صغيرا أو كبيرا في مجالات نشاطه السياسي والاجتماعي والثقافي على وفق ما يحدده له الحزب نفسه.. ( يتواصل).

 

انواكشوط بين حمى "الضنك" وعصابات السطو المسلح..

 

يعيش سكان العاصمة الموريتانية ، منذ فترة، وضعية صعبة للغاية على أكثر من صعيد.  فسكان العاصمة ، منذ تهاطل الأمطار قبل شهرين، ينامون على مستنقعات وبرك متعفنة غير مسبوقة في تاريخ المدينة. وقد نتج عن هذه البرك انتشار لأمراض وحساسيات جلدية، وكذلك عن تفشي حمى غامضة ، لم تكن معروفة من قبل، ولم يتمكن الأطباء، إلى الآن، من تشخيص دقيق لها؛ الأمر الذي سمح بانطلاق الشائعات على نطاق واسع حولها. كما أن تخبط الأطباء حول التشخيص جعل العلاجات التي تقدم  للمرضى مجرد اجتهادات ، تختلف من طبيب لآخر.  ومع أن بعض الأطباء يعتقد أن هذه الحمى هي حمى الضنك، إلا أن قسما آخر منهم  يبقى مترددا، ولكنه يجزم أنها حمى فيروسية ربما نتجت عن تطور  لفيروس ناتج هو الآخر عن مياه الأمطار التي اختلطت  بمياه الصرف الصحي ،بسبب غياب بنى الصرف الصحي في هذه العاصمة، التي مضى عليها أكثر من نصف قرن من الزمن. 

 

وأيا يكن الأمر، هناك تقارير طبية غير رسمية  تقول إن أربعة من كل سبعة مواطنين في العاصمة  انواكشوط قد أصيبوا أو هم مصابون الآن بهذه الحمى ، التي تتميز بآلام شديدة جدا في العظام والرأس وارتفاع عال لدرجة الحرارة في الجسم والإقاءة  وانعدام الشهية والقيء وغياب الوعي والوهن الشديد... وتتصادف هذه الوضعية الصحية شبه الوبائية للسكان بتفشي ظاهرة التزوير  والغش في العقاقير والأمصال وحقن التغذية ومخفضات الحرارة  وغيرها من الأدوية ، فضلا عن الارتفاع المذهل في أسعارها، فيما يسجل المواطنون موتا سريريا للسلطات الصحية في موريتانيا، وغيابها كليا عن المشهد.

أما الشق الآخر من المصائب التي تطحن هذا الشعب فيتمثل في  انتشار وتوسع ظاهرة عصابات السطو المسلح ، التي تحدثنا عنها كثيرا في " الدرب العربي".

فهذه العصابات باتت تقتحم على المواطنين محلاتهم التجارية ومنازلهم في وضح النهار وفي ساعات الليل الأولى.

وقد استفسرت " الدرب العربي"  ، على طريقتها، مسؤولين في الشرطة الوطنية عن خطورة هذه الوضعية، حيث أجابوا: إن الوضعية بالغة الخطورة وتتفاقم باطراد مرعب" لأن الشرطة ، يقول هؤلاء، تعبت من القبض على اللصوص وعناصر السطو المسلح وإحالتهم إلى المحاكم ولكنها تتفاجأ بهذه العناصر يمشون مطمئنون في الأسواق في اليوم التالي"..

وقال هؤلاء الشرطة إن المواطنين لم يبق أمامهم إلا اقتناء السلاح للدفاع عن أنفسهم في وجه هذه الفوضى الأمنية.

وهذا، إذا ما حصل قدد يتسبب في انتشار الأسلحة في أيدي المواطنين ، مما قد يضيف إشكالات وتداعيات اجتماعية وأمنية أخرى تزيد في إرباك الدولة وضعفها، أكثر. 

ويتحدث المواطنون في هذه الأيام عن ضرورة استنساخ تجربة الماليين ، التي تعني أن المواطنين حين يقبضون على اللص أو الحرامي يسكبون عليه البنزين ويحرقونه حيا، أو يقطعون" عراقيبه" لمنعه كليا من  الحركة ، مدى الحياة.. 

 

البعثي..  لبن من بين فرث ودم

كثيرا ما يحدث الجدل حول أيهما الأسبق : المناضل أم الفكر الذي يحمله المناضل ؟. وهذا الالتباس بين قيمة الفكر وحامله مرده زاوية النظر إلى المسألتين في انفصال عن بعضهما بعضا.

فبعض الناس يمنح أهمية أكبر للأفراد ودورهم المادي في نشر الأفكار ، عموما، ،نظرا إلى أن الأفراد  هم  من يباشرون العلاقة بالناس ، ويمارسون التأثير عليهم ، حسيا، ويفتحون مغاليقهم النفسية ويزيلون موانع الاستقبال لديهم ، من الأفكار المسبقة و الأفهام القاصرة .

وبالتالي ، لا يمكن انتشار الأفكار بذاتها، وإنما يعود تغلغلها وقبولها وتفاعل الناس معها بسبب نوعية الأفراد الذين يحملونها؛ بل إن كثيرا من الناس لا يتبنون الأفكار في البداية ،

وإنما يمنحون ولاءهم للأفراد الحاملين لهذه الأفكار. ومن هنا ، ينطلق مثل هذا التصور في منح الأسبقية للأفراد الذين يرجع إليهم الفضل في انجاح الأفكار ، عبر التاريخ ، إذ لا إمكانية لنجاح أي فكر ، مهما كانت عظمته وواقعيته، دون استناده إلى أفراد يبرزونه ويقربون دلالاته ، ويبشرون بفائدته على الناس في حياتهم المباشرة، قبل الحديث عن مردوده المعنوي عليهم. أما الفريق الثاني فيرى أن الأولوية تبقى للفكرة ومدى جودتها ومردوديتها وقابلياتها التطبيقية.

فمهما كانت مواصفات الأفراد ، وأيا كانت قدرتهم على الإقناع ومعرفة الأوساط الشعبية ، فإن العجز يبقى السمة الغالبة  طالما أن الفكرة المحمولة من النوع الرديء ، ويظل الأفراد عاجزين عن تسويقها لأنها لا تستجيب لشيء يهم الناس في حياتهم المادية أو يتطلعون إليه، وطالما لا تلبي لهؤلاء حاجة معنوية ، أو تحرك فيهم وجدانا وتثير فيهم كوامن الطاقة وتحيي فيهم أملا. والحقيقة، في هذا الجدل، هي أن ثمة ترابطا عضويا، لا ينفك، بين الفكر وحامله. فكل منهما شرط وجود للآخر.

فلا جدوى من فكر جيد دون حامل جيد، ولا إمكان لحامل جيد دون فكر جيد. ومن هذا الوعي بالترابط بين عظمة الفكرة والمواصفات الخاصة المطلوبة من حاملها ،حرص حزب البعث على هذا الترابط بين الفكر والرافع التنظيمي، بوصف كل منهما يشكل قاعدة اسناد للآخر ليستجيبا ، معا، لحمل رسالة الأمة في أحسن تلخيص وصياغة، وفي أرقى حامل ، أعني البعثي، حيث تتجلى الأمة، في الصورة المنشودة، مصغرة في فكرها وانسانها .. 

   قومية السوننكي..في موريتانيا

 

رأينا في الأعداد الماضية  تطور المجتمع السوننكي في موريتانيا ، وكيف أنه خاض تفاعلات تاريخية ثقافية وحضارية ولغوية وحتى فلكلورية مع باقي مكونات الشعب الموريتاني في صيرورتها ، وخاصة المكونة العربية ولغتها العربية ، التي امتصت منها – بفضل القرآن وعلوم الاسلام – اللغة السوننكية كثيرا من مفرداتها وأنساقها الأسلوبية ، وذلك لقوة الاسلام ومدى عمق تسربه داخل مجتمع السوانك ، الذي أحب أفراده هذا الدين العظيم ومنحوا تقديرا عظيما لحملته من العرب ، الذين بادلوا السوننكيين حبا بحب وتقديرا بتقدير. ورأينا كيف أن السوننكيين " لم ينأوا بأنفسهم عن تعلم اللغة الفرنسية فقط، بل تعدى ذلك إلى مقاطعة كل ما  يأتي به المستعمر" .. " فقد رفضوا التجنيد للمستعمر ، اللهم إلا ما حصل عن طريق الإجبار".

وعندما عرفت موريتانيا لأول مرة الحياة السياسية الحزبية ، اصطف كثير من النخبة السوننكية في حزب "الوفاق" ، الذي أسسه المناضل الوطني أحمدو ولد حرمه ولد ببانه. يقول علي بكر سيسي:" يمكن ملاحظة الحضور الواضح للمجتمع السوننكي في المشهد السياسي وإرهاصات تشكل الدولة الوطنية. غير أنه في عام 1947 ، شهدت البلاد تحولا آخر مختلفا عما هو عليه سابقا، وذلك بتشكيل أول حزب سياسي ( حزب الاتحاد التقدمي الموريتاني) بزعامة سيدي المختار انجاي... وبعد ثلاث سنوات من تأسيس حزب الاتحاد تنبه ولد حرمه ورفاقه إلى إيجاد إطار يجمعهم ، وبموجب ذلك تم الاتفاق على انشاء حزب أطلقوا عليه اسم ( الوفاق)." ويقول سيسي إن  كثيرا من النخبة السوننكية  قد انضموا إلى حزب الوفاق وتحالفوا مع بعض المجموعة البيضانية، مثل الشيخ محمد الراظي والأمير ولد عمير. ويرى هذا المؤرخ أن انخراط هذا العدد من رموز  النخبة السوننكية في حزب الوفاق يعود  إلى أنه: " الحزب الأقرب تمثيلا للروح التحررية والأكثر تعبيرا عن إرادة التميز الثقافي الوطني، بفعل شخصية ومواقف زعيمه ومؤسسه أحدو ولد حرمه ولد ببانه ... إلى جانب ما نسب لولد حرمه من مواقف عروبية واسلامية ناصعة مناصرة لقضايا التحرر في العالم الاسلامي، ومن أشهر تلك المواقف موقفه في البرلمان الفرنسي الرافض للاعتراف  بالكيان الصهيوني".. وهذا ما يؤكد تاريخية التفاعل الإيجابي بين الأفارقة السود الموريتانيين وبين العرب، وخصوصا في قضايا العروبة والاسلام والهوية، التي يثير حرس الثقافة الفرنسية حولها  ضجة كبيرة، ويفتعل فيها خصاما، بل صراعا كاذبا بين العرب  وأشقائهم من الزنوج والفلان الموريتانيين.. (يتواصل).  

  الإخوة في الخليج العربي.. حتى لا يتكرر حصاد الأوهام..

التاريخ البشري حافل بالأحداث التي تسر والتي لا تسر؛ ولكنه ،أيضا، حافل بالتجارب الكبرى التي قادت إلى نهوض أمم وشعوب من عثرات عظيمة وقعت فيها . وأمتنا ليست بدعا من الأمم .

ومن أعظم وأخطر الكبوات التي تهدد أمتنا على مستوى وجودها المادي ويقضي عليها حضاريا هو هذه الشرذمة والأحقاد السوداء التي تعمر كل فرد منا إزاء أخيه. ولقد كان لأعدائنا الدور الأكبر في ما وصلنا إليه من تنافر وتدابر وتنافي  ، وصولا لما نعاني منه من تشظي بهدف ابتلاعنا، واحدا بعد الآخر.

والآن، وقد رأينا ، رأي العين ، أن من كانوا يتصفون أمامنا ب" الحلفاء الاستراتيجيين" ظهروا مخادعين لنا، متآمرين مع أعدائنا "الإقليميين" و"التاريخيين" لاقتسام ثرواتنا  وإنهاء وجودنا كهوية، حتى لم يكتفوا بما نحن فيه  من  ضياع وقلة حيلة وهوان على الناس، على الصعيد العالمي. بل خططوا مع هؤلاء الأعداء ومنحوهم  الشرعية الدولية لامتلاك  القوة النووية ، لبسط هيمنتهم على المنطقة، بينما يضعون كل أجهزة الحيطة والرقابة على كل قطر عربي ، ولو كان من ضمن الأقطار التي يطلقون عليها، كذبا، أنها حلفاؤهم.

أما الأقطار الأخرى فقد دمروها بسوائل وأموال أشقائهم. لقد بات ، إذن، من الضرورة التاريخية والحضارية والوجودية أن يراجع الاخوة ،في الخليج، مواقفهم السابقة وأن يمحصوا كلما صدقوه من أراجيف وأكاذيب  ذلك "الحليف الاستراتيجي" ، الذي يرجع إليه السوء واللعنة في ما دق من أسافين بين العرب ، وفي ما اختلق من هواجس الخوف والهلع بعضهم من بعض، حتى يتحكم فيهم ، عن قرب، ويقضي على كل واحد منهم بإمكانيات أخيه.

وهذا هو واقع الحال المرير، اليوم..  لقد أصبح كل شيء واضحا وضوح الشمس في جزيرة العرب ، ومن ثم أصبح من المطلوب بناء صرح الثقة والشراكة والتعاون بين ما تبقى من الأقطار العربية ، ودعم مقاومات الشعوب في العراق وسوريا والأحواز واليمن أمام الغزو الإيراني، بعيدا كل البعد عن الخطاب الطائفي الماحق، الذي لا يخدم إلا إيران وعملاءها، الذين حولونا إلى شيع يقتل بعضنا بعضا لينجزوا أهدافهم في القضاء على العروبة والاسلام، ويشربوا الدم العربي من السنة والشيعة، باستخدام الطائفية الزائفة. إن المراهنة على عملاء أمريكا وإيران في العراق ( مثل العبادي، وعلاوي، وسليم الجبوري، والنجيفين وغيرهم ممن استخدمهم الاحتلال المزدوج الأمريكي – الإيراني) لا   يمكن وصفها بشيء أقل من حصاد أوهام؛ إذ كيف نبذل هذه الجهود الجبارة وهذه التضحيات الجسيمة لوقف التمدد الصفوي في الوطن العربي، فيما نحن ندعم ونؤهل ، إعلاميا وسياسيا ودبلوماسيا، زمر العملاء الإيرانيين في بغداد؟؟.. إن في هذا الأمر مفارقة يستهجنها العقل السليم  ويمجها المنطق القويم..

وخصوصا حين نعتقد أن هؤلاء يشكلون بدلاء عن اللعين المالكي والجعفري وهادي العامري، وسواهم من قاذورات  الاحتلال الأمريكي وأدوات المعممين في قم. كما أن الاستمرار الأعمى في هذا التناقض الصارخ بين العمل العسكري في اليمن لوقف التمدد الصفوي من جهة، ودعم أذناب إيران و مخالبها في العراق، من جهة أخرى، لن يكون مقنعا للرأي العام العربي والاسلامي لدعم المجهود الخليجي في اليمن...بل سيكون حصادا مرا، مرة أخرى، للأوهام، وبالنتيجة يجعل هذا الجهد ، في أعين العرب والمسلمين، ملتبسا بالعدوان على شعب عربي، ليس إلا..  

   ضيف العدد

الدرب العربي تستضيف لكم، في هذا العدد، الحمى الوافدة. - الدرب العربي :من هي الحمى الوافدة ؟ - الحمى (الوافدة)  :هذا السؤال متأخر.. فوزيركم الأول هو من أ طلق علي اسم " الحمى الوافدة" .

- الدرب العربي :ولكن هذا التوصيف غير دقيق ، ولم يفد شيئا في تشخيصك طبيا، ولم تكن له انعكاسات إيجابية على وضعية المواطنين الذين يرزحون تحت سطوتك؟ - الحمى (الوافدة) : باختصار، أنا حمى فيروسية ناتجة عن تفاعل سوشات عديدة لعوامل كثيرة جدا، أذكر منها: غياب الرقابة الصحية على الحدود وعدم إخضاع الداخلين إلى البلاد للفحص الطبي ، ومنها قدوم الباعوض الوافد من مختلف أنحاء العالم مع الأشخاص والأمتعة والحيوانات ووسائل النقل البرية والجوية، ومنها ديمومة مياه الأمطار الراكدة ، منذ سنوات، في العاصمة واختلاطها بمياه الصرف الصحي المنتشرة في الشوارع وبين المنازل، حيث يلعب فيها الأطفال ويتراشقون بها ، ومنها تكدس جبال القمامة والقاذورات وفضلات الأطعمة وجيف الحمير والقطط والكلاب على أبواب منازل المواطنين ، وما يفوح منها من نتانات ، ومنها اعتماد البلاد ، بشكل شبه كلي، على الأدوية المزورة والمغشوشة ، ومنها  انشغال الأطباء بحساب أرباحهم من علاج مواطنيهم ودراسة زيادة فواتير هذه العلاجات، ومنها أخيرا، وليس آخرا، انغماس وزارة الصحة وطواقمها الطبية والفنية والإدارية في موضوع " الحوار" بين المعارضة والأغلبية.

وتكليفها بتشخيص ضعف " المعارضة" و الكشف على قوة "الحزب الحاكم وأغلبيته ورئيسه " والبرهنة طبيا على أهليتهم لحكم البلاد والعباد ، في كل دهر وزمان.. وأقول لك إنه لولا فضل الله عليكم بهذه الشمس الحارقة وهذه الرياح العاتية الجافة لوضعت نهاية لهذا الجدل بينكم في الحوار، بإفنائكم جميعا، بينما أنتم في قصر المؤتمرات تناقشون هل ما تم حوار أم هو مجرد أيام تشاورية حول الحوار. - الدرب العربي : هذا حل .. ولكن ما هو أنجع علاج لك؟ - الحمى (الوافدة):الحل الأمثل  يكمن في الموت الجماعي للشعب وترك الأغلبية والمعارضة يتجادلون حول من له الأكثرية  من ساكنة القبور، دون امكانية الحسم في ذلك إلى الأبد..

الدين .. والخديعة بالدين.

الدين حاجة روحية من الفطرة ، التي فطر الله الناس عليها، ورسالة تكليف من الخالق إلى المخلوق وقيمة انسانية وينبوع للأخلاق . .

وقد جربت تيارات فلسفية وفكرية تاريخية تجاوز الدين في حياة الناس وباءت كلها بالفشل، لأنها كانت تسبح في مواجهة الفطرة، فتاهت في نزاعات العقل، وظلت تتآكل إلى أن فنت ، برغم قوة سلطانها، فعاد الدين من جديد ليحتل مكانته في المخلوق البشري. أما التظاهر(الخديعة) بالدين ، فهو على النقيض من الدين، فيتنافى مع الفطرة لأنه انحراف بالدين عن أصله.

فأصل الدين إخلاص العبادة ،فكرا وسلوكا وشعائر وطقوسا ومعاملات، للخالق. والدين احترام لمبدأ الحياة وصيانة لكرامة الانسان، بدنيا وعقلا ووجدانا وقناعة .

وفي دين الاسلام، لا يقبل الله أي شرك في عبادته؛ فهو أغنى الشركاء، مهما كان هؤلاء الشركاء، حسيون أو معنويون. والله لا تخفى عليه خافية ، وهو أعلم بذات الصدور، فلا طاقة لأحد بجمعه، جل وعلى، مع شركاء آخرين في أي عمل، سياسي كان أو اقتصادي أو اجتماعي. والشرك في الأعمال المعنوية هو الأخطر، لأنه خفي للغاية. ومن هذه الأعمال ، في مجتمعاتنا العربية ، وموريتانيا بوجه خاص، التمظهر بالدين، الذي يعني أحيانا الرياء في العبادات والمعاملات و"التمظهرات" الدينية الخارجية المخادعة. ولكن الأخطر في هذا التظاهر الديني يبقى في توظيف الدين للسياسة ،الذي يستغل فيه أفراد أو مجموعات الدين بذكاء وانتهازية ويستثمرون عواطف الناس الدينية لجمع أكبر عدد من المناصرين لأطروحات سياسية وإيديولوجية ، ولتحقيق مكاسب مادية تتخذ من الدين أكبر دعاية . ومع أن أصحاب "التمظهر" الديني لهم أشكال عديدة ومسميات كثيرة وأساليب عمل مختلفة، تبعا لفوضى الخطاب الديني،  التي شوهت صورة الاسلام في هذه الحقبة من تاريخها   ( خطاب يتراوح بين الغلو المفضي إلى العنف الشديد ضد مبدأ الحياة ، و"الوسطية الاخوانية " التي لا تريد من الدين إلا مركبا سهلا يوصلها إلى السلطة والمال عبر الانتخابات) ، إلا أنهم ( دعاة الفوضى الدينية) ، على المستوى الاستراتيجي يخدم بعضهم بعضا، وكل منهم مزرعة للآخر ( "الدعاة" لا يصوتون في الانتخابات إلا" للإخوان"، مثلا، دون سواهم من تيارات وأبناء الأمة، ودون تفتيش وتحري على  نزاهة مرشحي "الإخوان" أو مقارنتهم مع كفاءة المرشحين من غير "الإخوان" وأهليتهم الوطنية  ، مع أن الدعاة يتظاهرون  باعتزال السياسة. و"الإخوان"، في المقابل، سواد عام ل"الدعاة" وحاضنة اجتماعية لهم ولغيرهم من التيارات الدينية فيما يسمونه بالصحوة الدينية، وفي واقع الحال أنها "صحوات عديدة " متناقضة في الدين من أجل الدنيا)   .

 

ومن أبرز عناوين الخديعة بالدين جماعة "الاخوان المسلمون" (نقصد صناع القرار وليس الأفراد) الذين اتضح بعض أمرهم في انتهازيتهم السياسية المنفلتة وتقلب مواقفهم و انكشاف ارتباطهم بالقوى الأجنبية لعوام المسلمين ، وبعدما رأى الناس منهم من حب جم للمال وتعطش مجنون للسلطة، مما دفعهم إلى مشاركة القوى الأجنبية في احتلال بعض  الأقطار العربية ( العراق وليبيا). أما "التجلي" الثاني بالدين، والذي ما زال ملتبسا على كثير من الناس ، فيتمثل في " الدعاة". يتواصل