الشباب وزمن الحوار
الاثنين, 21 سبتمبر 2015 00:16

 سيداتي ولد سيد الخير sidattysidelkhair@yahoo.fr سيداتي ولد سيد الخير [email protected]حافظت موريتانيا منذ القدم على تناغم نسيجها الاجتماعي وفق آلية من السلم تستبق الخطر وتعزز التفاهم  بحيث تعايشت كل المقولات الاجتماعية في انسجام منقطع النظير ولد ثقافة تفادي "الصدامية" , ثقافة لا تعني سوى حب السلام والحرص على العافية .

 

ومع تشكل الدولة الحديثة استثمر رجالها تلك الثقافة في خلق لحمة تعزز روح الأمة وتمحو مخلفات العصبيات والتراتبية التقليدية التي يفرضها منطق القبيلة ويرفضها واقع الأمة..وهي عملية شاقة وتحدي ظل يواجه القادة بمختلف طموحاتهم وتنوع الأدوات التي يستخدمون والتي فعلت فيها الوظائف والإغراءات المادية فعلها , وفي تلك الأثناء تشكلت طبقة بل طبقات لا على أساس المكانة التقليدية هذه المرة ولا على أساس العرق  ولا اللون بل على أساس الاستفادة من الوظائف والامتيازات , وخلقت لنفسها خطابات خاصة يجمعها دوام الاستحواذ على "أل احرك كامل" ماديا كان أو معنويا وأي سلطة أرادت الحد من ذلك " يحركون السلوك" لبعضهم ويحشدون خيلهم ورجلهم ويتهمون النظام بإفساد الدولة ويطلقون "المتعلمين" منهم لترويج ذلك ليخاف النظام الفوضى والبلبلة فيقوم باستدعاء "المحركين"و " ينفعهم" فيستقر الحال وتعود الأمور إلى مجاريها فتحدث التباشير ويوصف النظام حينها بصفات عائمة لا تعني سوى أنه أعطاهم "امتيازاتهم" , صفات من قبيل نظام وطني ونظام "أقظف" وحاكم يعرف "أقدار الناس" ...

 

حتى جاء محمد ولد عبد العزيز بثورته التي شملت كل جوانب الحياة : السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية , وكعادتهم , تحرك أصحاب الامتيازات لكن النظام في هذه المرة كانت رأيته أكثر وضوحا وتحليله أكثر عمقا وبالتاي فإن ضرباته أشد إيلاما  وهو ما يفسر وضع المعارضة الرافضة للحوار التي تعتبر في غالبيتها العظمى مجموعة من الأطر والموظفين السابقين استفادوا من أوضاع تاريخية ولا يريدون "زوال تلك النعم" فقد تعودا على استفزاز الأنظمة لمشاركتهم في الغنيمة ولتحاورهم في الخفاء حيث الاتفاقيات التي يروج ويسوغ خلافها للجمهور المسكين الذي قد لا يجد من ذلك إلا عبارة "مناضل" لكي يظل قابلا للاستخدام في " معركة" قادمة , والذي يزعج في هذا الإطار هو كون ذلك ال"مناضل" يختار دائما من فصيلة الشباب لما تتصف به من الجدية والاندفاع وما يميزها من صدق العاطفة وتمثل الشعارات فيضيع عمر المناضل المسكين في شعارات لا يعرف حتى مكان ولا وقت وضعها لأنها تصنع من طرف "القادة الذين يعرفون كل شيئ" في زمن لا يمكن أن يقال فيه كل شيئ للمناضل " العادي" لأنه ليس أهلا لتحمل السر ومعرفة تفاصيل "الحوار السري" المفعم بالتفاصيل الغريبة .

 

الشباب في هذه الأيام لم يعد شباب تلك الحقبة حيث أصبح فاعلا في المشهد يتفاعل مع الأمور وفق ما تمليه المراحل والمتطلبات لذلك فإن لغة الحوار أصبحت أقوى عند هذه الأجيال فلا معلبات ولا اتفاقات تحت الطاولة فالكل يقول رأيه ليكون هذا الرأي لبنة في بناء منظومتنا الفكرية المتجددة , فلا مجال للتقاعس عن الحوار تلك الفضيلة التي لا يمكن التعارف دونها والتي تزيل الأفكار النمطية المسبقة بتقريب الغريم من غريمه وهذا هو المطلوب فلا يقال في الحوار إلا ما يعتقده المحاور الصادق ولا أحد يملي على أحد. لا طبقية ولا عمودية في الرأي فالفرص متاحة بنفس القدر وهو ما شاهدناه في الأيام التمهيدية للحوار الوطني الشامل.

ذلكم هو زمن الحوار وتلكم هي ثقافته المتجددة وعلى من لا يفهم ذلك لأسبابه الخاصة أن يتركنا نؤسس لعالمنا الذي قد يكون مختلفا لكنه بالتأكيد سوف يكون جميلا.